القاعدين فيه، وعلي من القائمين، وإذا كان كذلك وجب أن يكون علي أفضل منه لقوله تعالى: * (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) * فيقال لهم: إن مباشرة علي عليه السلام لقتل الكفار كانت أكثر من مباشرة الرسول لذلك، فليزمكم بحكم هذه الآية أن يكون علي أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يقوله عاقل، فإن قلتم إن مجاهدة الرسول مع الكفار كانت أعظم من مجاهدة علي معهم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجاهد الكفار بتقرير الدلائل والبينات وإزالة الشبهات والضلالات، وهذا الجهاد أكمل من ذلك الجهاد، فنقول: فاقبلوا منا مثله في حق أبي بكر، وذلك أن أبا بكر رضي الله عنه لما أسلم في أول الأمر سعى في إسلام سائر الناس حتى أسلم على يده عثمان بن عفان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعثمان بن مظعون، وكان يبالغ في ترغيب الناس في الإيمان وفي الذب عن محمد صلى الله عليه وسلم بنفسه وبماله، وعلي في ذلك الوقت كان صبيا ما كان أحد يسلم بقوله، وما كان قادرا على الذب عن محمد عليه الصلاة والسلام، فكان جهاد أبي بكر أفضل من جهاد علي فإنما ظهر في المدينة في الغزوات، وكان الإسلام في ذلك الوقت قويا. والثاني: أن جهاد أبي بكر كان بالدعوة إلى الدين، وأكثر أفاضل العشرة إنما أسلموا على يده، وهذا النوع من الجهاد هو حرفة النبي عليه الصلاة والسلام وأما جهاد علي فإنما كان بالقتل، ولا شك أن الأول أفضل.
المسألة الرابعة: قالت المعتزلة: دلت الآية على أن نعيم الجنة لا ينال إلا بالعمل لأن التفاوت في العمل لما أوجب التفاوت في الثواب والفضيلة دل ذلك على أن علة الثواب هو العمل، وأيضا لو لم يكن العمل موجبا للثواب لكان الثواب هبة لا أجرا، لكنه تعالى سماه أجرا، فبطل القول بذلك، فيقال لهم: لم لا يجوز أن يقال: العمل علة الثواب لكن لا لذاته، بل بجعل الشارع ذلك العمل موجبا له. المسألة الخامسة: قالت الشافعية: دلت الآية على أن الاشتغال بالنوافل أفضل من الاشتغال بالنكاح، لأنا بينا أن الجهاد فرض على الكفاية بدليل قوله: * (وكلا وعد الله الحسنى) * ولو كان الجهاد من فروض الأعيان لما كان القاعد عن الجهاد موعودا من عند الله بالحسنى. إذا ثبت هذا فنقول: إذا قامت طائفة بالجهاد سقط الفرض عن الباقين، فلو أقدموا عليه كان ذلك من النوافل لا محالة، ثم إن قوله: * (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) * يتناول جميع المجاهدين سواء كان جهاده واجبا أو مندوبا، والمشتغل بالنكاح قاعد عن الجهاد، فثبت أن الاشتغال