وقيل: يجوز أيضا أن يكون تحريم تعبد، فأمرهم بأن يمكثوا في تلك المفازة في الشدة والبلية عقابا لهم على سوء صنيعهم.
المسألة الخامسة: اختلفوا في التيه فقال الربيع: مقدار ستة فراسخ، وقيل: تسعة فراسخ في ثلاثين فرسخا. وقيل: ستة في اثنى عشر فرسخا، وقيل: كانوا ستمائة ألف فارس. فإن قيل: كيف يعقل بقاء هذا الجمع العظيم في هذا القدر الصغير من المفازة أربعين سنة بحيث لا يتفق لأحد منهم أن يجد طريقا إلى الخروج عنها، ولو أنهم وضعوا أعينهم على حركة الشمس أو الكواكب لخرجوا منها ولو كانوا في البحر العظيم، فكيف في المفازة الصغيرة؟ قلنا: فيه وجهان: الأول: أن انخراق العادات في زمان الأنبياء غير مستبعد، إذ لو فتحنا باب الاستبعاد لزم الطعن في جميع المعجزات، وإنه باطل. الثاني: إذا فسرنا ذلك التحريم بتحريم التعبد فقد زال السؤال لاحتمال أن الله تعالى حرم عليهم الرجوع إلى أوطانهم، بل أمرهم بالمكث في تلك المفازة أربعين سنة مع المشقة والمحنة جزاء لهم على سوء صنيعهم، وعلى هذا التقدير فقد زال الاشكال. المسألة السادسة: يقال: تاه يتيه تيها وتيها وتوها، والتيه أعمها، والتيهاء الأرض التي لا يهتدى فيها. قال الحسن: كانوا يصبحون حيث أمسوا، ويمسون حيث أصبحوا، وكانت حركتهم في تلك المفازة على سبيل الاستدارة، وهذا مشكل فإنهم إذا وضعوا أعينهم على مسير الشمس ولم ينعطفوا ولم يرجعوا فإنهم لا بد وأن يخرجوا عن المفازة، بل الأولى حمل الكلام على تحريم التعبد على ما قررناه والله أعلم.
قوله تعالى * (واتل عليهم نبأ ابنى ءادم بالحق) * وفيه مسائل المسألة الأولى: في تعلق هذه الآية بما قبلها وجوه: الأول: أنه تعالى قال فيما تقدم * (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم) * (المائدة: 11) فذكر تعالى أن