* (ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما) * والكسب عبارة عما يفيد جر منفعة أو دفع مضرة، ولذلك لم يجز وصف الباري تعالى بذلك والمقصود منه ترغيب العاصي في الاستغفار كأنه تعالى يقول: الذنب الذي أتيت به ما عادت مضرته إلي فإنني منزه عن النفع والضرر، ولا تيأس من قبول التوبة والاستغفار * (وكان الله عليما) * بما في قلبه عند إقدامه على التوبة * (حكيما) * تقتضي حكمته ورحمته أن يتجاوز عن التائب.
النوع الثالث: قوله تعالى:
* (ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد حتمل بهتانا وإثما مبينا) * وذكروا في الخطيئة والإثم وجوها: الأول: أن الخطيئة هي الصغيرة، والإثم هو الكبيرة وثانيها: الخطيئة هي الذنب القاصر على فاعلها، والإثم هو الذنب المتعدي إلى الغير كالظلم والقتل. وثالثها: الخطيئة ما لا ينبغي فعله سواء كان بالعمد أو بالخطأ، والإثم ما يحصل بسبب العمد، والدليل عليه ما قبل هذه الآية وهو قوله * (ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه) * (النساء: 111) فبين أن الإثم ما يكون سببا لاستحقاق العقوبة.
وأما قوله * (ثم يرم به بريئا) * فالضمير في * (به) * إلى ماذا يعود؟ فيه وجوه: الأول: ثم يرم بأحد هذين المذكورين. الثاني: أن يكون عائدا إلى الإثم وحده لأنه هو الأقرب كما عاد إلى التجارة في قوله * (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها) * الثالث: أن يكون عائدا إلى الكسب، والتقدير: يرم بكسبه بريئا، فدل يكسب على الكسب. الرابع: أن يكون الضمير راجعا إلى معنى الخطيئة فكأنه قال: ومن يكسب ذنبا ثم يرم به بريئا.
وأما قوله * (فقد احتمل بهتانا) * فالبهتان أن ترمي أخاك بأمر منكر وهو برئ منه.
وأعلم أن صاحب البهتان مذموم في الدنيا أشد الذم، ومعاقب في الآخرة أشد العقاب، فقوله * (فقد احتمل بهتانا) * إشارة إلى ما يلحقه من الذم العظيم في الدنيا، وقوله * (وإثما مبينا) * إشارة إلى