المسألة الخامسة: قرأ ابن كثير وأبو عمرو * (إن صدوكم) * بكسر الألف على الشرط والجزاء والباقون بفتح الألف، يعني لأن صدوكم. قال محمد بن جرير الطبري: وهذه القراءة هي الاختيار لأن معنى صدهم إياهم عن المسجد الحرام منع أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين يوم الحديبية عن العمرة، وهذه السورة نزلت بعد الحديبية، وكان هذا الصد متقدما لا محالة على نزول هذه الآية. ثم قال تعالى: * (واتقوا الله إن الله شديد العقاب) * والمراد منه التهديد والوعيد، يعني اتقوا الله ولا تستحلوا شيئا من محارمه إن الله شديد العقاب، لا يطيق أحد عقابه.
قوله تعالى: * (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام) *.
إعلم أنه تعالى قال في أول السورة * (أحلت لكم بهيمة الأغنام) * (المائدة: 1) ثم ذكر فيه استثناء أشياء تتلى عليكم، فههنا ذكر الله تعالى تلك الصور المستثناة من ذلك العموم، وهي أحد عشر نوعا: الأول: الميتة: وكانوا يقولون: إنكم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله. وأعلم أن تحريم الميتة موافق لما في العقول، لأن الدم جوهر لطيف جدا، فإذا مات الحيوان حتف أنفه احتبس الدم في عروقه وتعفن وفسد وحصل من أكله مضار عظيمة. والثاني: الدم: قال صاحب " الكشاف " كانوا يملؤون المعي من الدم ويشوونه ويطعمونه المعي من الدم ويشوونه ويطعمونه الضيف، فالله تعالى حرم ذلك عليهم. والثالث: لحم الخنزير، قال أهل العلم: الغذاء يصير جزءا من جوهر المغتذي، فلا بد أن يحصل للمغتذي أخلاق وصفات من جنس ما كان حاصلا في الغذاء، والخنزير مطبوع على حرص عظيم ورغبة شديدة في المشتهيات، فحرم أكله على الإنسان لئلا يتكيف بتلك الكيفية، وأما الشاة فإنها حيوان في غاية السلامة، فكأنها ذات عارية عن جميع الأخلاق، فلذلك لا يحصل للإنسان بسبب أكل لحمها كيفية أجنبية عن أحوال الإنسان. الرابع: ما أهل لغير الله به، والإهلال