قال * (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) * (الشورى: 52) وعلى هذا الوجه تقدير الآية: أنزل الله عليك الكتاب والحكمة وأطلعك على أسرارهما وأوقفك على حقائقهما مع أنك ما كنت قبل ذلك عالما بشيء منهما، فكذلك يفعل بك في مستأنف أيامك لا يقدر أحد من المنافقين على إضلالك وإزلالك. الوجه الثاني: أن يكون المراد: وعلمك ما لم تكن تعلم من أخبار الأولين، فكذلك يعلمك من حيل المنافقين ووجوه كيدهم ما تقدر به على الاحتراز عن وجوه كيدهم ومكرهم، ثم قال * (وكان فضل الله عليك عظيما) * وهذا من أعظم الدلائل على أن العلم أشرف الفضائل والمناقب وذلك لأن الله تعالى ما أعطى الخلق من العلم إلا القليل، كما قال * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * (الإسرار: 85) ونصيب الشخص الواحد من علوم جميع الخلق يكون قليلا، ثم أنه سمى ذلك القليل عظيما حيث قال * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * وسمى جميع الدنيا قليلا حيث قال * (قل متاع الدنيا قليل) * (النساء: 77) وذلك يدل على غاية شرف العلم.
* (لا خير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغآء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما) * واعلم أن هذه إشارة إلى ما كانوا يتناجون فيه حين يبيتون ما لا يرضي من القول وفيه مسائل: المسألة الأولى: قال الواحدي رحمه الله: النجوى في اللغة سر بين اثنين، يقال ناجيت الرجل مناجاة ونجاء، ويقال: نجوت الرجل أنجو نجوى بمعنى ناجيته، والنجوى قد تكون مصدرا بمنزلة المناجاة، قال تعالى * (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) * (المجادلة: 7) وقد تكون بمعنى القوم الذين يتناجون، قال تعالى * (وإذ هم نجوى) * (الإسراء: 47).
المسألة الثانية: قوله * (إلا من أمر بصدقة) * ذكر النحويون في محل * (من) * وجوها، وتلك