ثم قال تعالى: * (ذلكم فسق) * وفيه وجهان: الأول: أن يكون راجعا إلى الاستقسام بالأزلام فقط ومقتصرا عليه. والثاني: أن يكون راجعا إلى جميع ما تقدم ذكره من التحليل والتحريم، فمن خالف فيه رادا على الله تعالى كفر. فإن قيل: على القول الأول لم صار الاستقسام بالأزلام فسقا؟ أليس أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل، وهذا أيضا من جملة الفأل فلم صار فسقا؟ قلنا: قال الواحدي: إنما يحرم ذلك لأنه طلب لمعرفة الغيب، وذلك حرام لقوله تعالى: * (وما تدري نفس ماذا تكسب غدا) * (لقمان: 34) وقال * (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله) * (النمل: 65) وروى أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من تكهن أو استقسم أو تطير طيرة ترده عن سفره لم ينظر إلى الدرجات العلى من الجنة يوم القيامة ". ولقائل أن يقول: لو كان طلب الظن بناء على الإمارات المتعارفة طلبا لمعرفة الغيب لزم أن يكون علم التعبير غيبا أو كفرا لأنه طلب للغيب، ويلزم أن يكون التمسك بالفأل كفرا لأنه طلب للغيب، ويتعين أن يكون أصحاب الكرامات المدعون للإلهامات كفارا، ومعلوم أن ذلك كله باطل، وأيضا فالآيات إنما وردت في العلم، والمستقسم بالأزلام نسلم أنه لا يستفيد من ذلك علما وإنما يستفيد من ذلك ظنا ضعيفا، فلم يكن ذلك داخلا تحت هذه الآيات. وقال قوم آخرون أنهم كانوا يحملون تلك الأزلام عند الأصنام ويعقدون أن ما يخرج من الأمر والنهي على تلك الأزلام فبإرشاد الأصنام وإعانتهم، فلهذا السبب كان ذلك فسقا وكفرا، وهذا القول عندي أولى وأقرب.
قوله تعالى: * (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون) *.
اعلم أنه تعالى لما عدد فيما مضى ما حرمه من بهيمة الأنعام وما أحله منها ختم الكلام فيها بقوله * (ذلكم فسق) * والغرض منه تحذير المكلفين عن مثل تلك الأعمال، ثم حرضهم على التمسك