واعلم أن هذه الآية أيضا دالة على أن خالق الإيمان هو الله تعالى، وذلك لأنا نقول: الدين الذي هو الإسلام نعمة، وكل نعمة فمن الله، فيلزم أن يكون دين الإسلام من الله. إنما قلنا: إن الإسلام نعمة لوجهين: الأول: الكلمة المشهورة على لسان الأمة وهي قولهم: الحمد لله على نعمة الإسلام. والوجه الثاني: أنه تعالى قال في هذه الآية * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) * ذكر لفظ النعمة مبهمة، والظاهر أن المراد بهذه النعمة ما تقدم ذكره وهو الدين. فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد بإتمام النعمة جعلهم قاهرين لأعدائهم، أو المراد به جعل هذا الشرع بحيث لا يتطرق إليه نسخ. قلنا: أما الأول فقد عرف بقوله * (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) * فحمل هذه الآية عليه أيضا يكون تكريرا. وأما الثاني فلأن إبقاء هذا الدين لما كان إتماما للنعمة وجب أن يكون أصل هذا الدين نعمة لا محالة، فثبت أن دين الإسلام نعمة. وإذا ثبت هذا فنقول: كل نعمة فهي من الله تعالى، والدليل عليه قوله تعالى: * (وما بكم من نعمة فمن الله) * وإذا ثبت هاتان المقدمتان لزم القطع بأن دين الإسلام إنما حصل بتخليق الله تعالى وتكوينه وإيجاده. ثم قال تعالى: * (ورضيت لكم الإسلام دينا) * والمعنى أن هذا هو الدين المرضى عند الله تعالى ويؤكده قوله تعالى: * (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه) *. ثم قال تعالى: * (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم) *. وهذا من تمام ما تقدم ذكره في المطاعم التي حرمها الله تعالى، يعني أنها وإن كانت محرمة إلا أنها تحل في حالة الاضطرار، ومن قوله * (ذلكم فسق) * إلى هاهنا اعتراض وقع في البين، والغرض منه تأكيد ما ذكر من معنى التحريم، فإن تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل والنعمة التامة والإسلام الذي هو الدين المرضي عند الله تعالى، ومعنى اضطر أصيب بالضر الذي لا يمكنه الامتناع معه من الميتة، والمخمصة المجاعة. قال أهل اللغة: الخمص والمخمصة خلو البطن من الطعام عند الجوع، وأصله من الخمص الذي هو ضمور البطن. يقال: رجل خميص وخمصان وامرأة خميصة وخمصانة والجمع خمائص وخمصانات، وقوله * (غير متجانف لإثم) * أي غير متعمد، وأصله في اللغة من الجنف الذي هو الميل، قال تعالى: * (فمن خاف من موص جنفا أو إثما) * (البقرة: 182) أي ميلا، فقوله غير * (متجانف) * أي غير
(١٤٠)