والثالث: التقدير: اذهب أنت وربك معين لك بزعمك فأضمر خبر الابتداء. فإن قيل: إذا أضمرنا الخبر فكيف يجعل قوله * (فقاتلا) * خبرا أيضا؟ قلنا: لا يمتنع خبر بعد خبر، والرابع: المراد بقوله * (وربك) * أخوه هارون، وسموه ربا لأنه كان أكبر من موسى. قال المفسرون: قولهم * (اذهب أنت وربك) * إن قالوه على وجه الذهاب من مكان إلى مكان فهو كفر، وإن قالوه على وجه التمرد عن الطاعة فهو فسق، ولقد فسقوا بهذا الكلام بدليل قوله تعالى في هذه القصة * (فلا تأس على القوم الفاسقين) * (المائدة: 26) والمقصود من هذه القصة شرح خلاف هؤلاء اليهود وشدة بغضهم وغلوهم في المنازعة مع أنبياء الله تعالى منذ كانوا.
ثم إنه تعالى حكى عن موسى عليه السلام أنه لما سمع منهم هذا الكلام * (قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي) * ذكر الزجاج في إعراب قوله * (وأخي) * وجهين: الرفع والنصب، أما الرفع فمن وجهين: أحدهما: أن يكون نسقا على موضع * (إني) * والمعنى أنا لا أملك إلا نفسي، وأخي كذلك ومثله قوله * (إن الله بريء من المشركين ورسوله) * (التوبة: 3) والثاني: أن يكون عطفا على الضمير في * (أملك) * وهو " أنا " والمعنى: لا أملك أنا وأخي إلا أنفسنا، وأما النصب فمن وجهين: أحدهما أن يكون نسقا على الياء، والتقدير: إني وأخي لا نملك إلا أنفسنا، والثاني: أن يكون * (أخي) * معطوفا على * (نفسي) * فيكون المعنى لا أملك إلا نفسي، ولا أملك إلا أخي، لأن أخاه إذا كان مطيعا له فهو مالك طاعته. فإن قيل: لم قال لا أملك إلا نفسي وأخي، وكان معه الرجلان المذكوران؟ قلنا: كأنه لم يثق بهما كل الوثوق لما رأى من إطباق الأكثرين على التمرد، وأيضا لعله إنما قال ذلك تقليلا لمن يوافقه، وأيضا يجوز أن يكون المراد بالأخ من يواخيه في الدين، وعلى هذا التقدير فكانا داخلين في قوله * (وأخي) *. ثم قال: * (فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) * يعني فافصل بيننا وبينهم بأن تحكم لنا بما نستحق وتحكم عليهم بما يستحقون، وهو في معنى الدعاء عليهم، ويحتمل أن يكون المراد خلصنا من صحبتهم، وهو كقوله * (ونجني من القوم الظالمين) * (القصص: 21 ).
ثم إنه تعالى قال:
* (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون فى الارض فلا تأس على القوم الفاسقين) *.