ما خلق خلقا لأجل التعذيب والعقاب، فإن قوله * (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) * صريح في أنه لم يخلق أحدا لغرض التعذيب، وأيضا الآية تدل على أن فاعل الشكر والإيمان هو العبد وليس ذلك فعلا لله تعالى، وإلا لصار التقدير: ما يفعل الله بعذابكم إذا خلق الشكر والإيمان فيكم ومعلوم أن هذا غير منتظم، وقد سبق الجواب عن هذه الكلمات.
المسألة الثالثة: قال أصحابنا: دلت هذه الآية على أنه لا يعذب صاحب الكبيرة لأنا نفرض الكلام فيمن شكر وآمن ثم أقدم على الشرب أو الزنا، فهذا وجب أن لا يعاقب بدليل قوله تعالى: * (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم) * فإن قالوا لا نسلم أن صاحب الكبيرة مؤمن، قلنا: ذكرنا الوجوه الكثيرة في هذا الكتاب على أنه مؤمن.
المسألة الرابعة: في تقدم الشكر على الإيمان وجهان: الأول: أنه على التقديم والتأخير، أي إن آمنتم وشكرتم، لأن الإيمان مقدم على سائر الطاعات. الثاني: إذا قلنا: الواو لا توجب الترتيب فالسؤال زائل. الثالث: أن الإنسان إذا نظر في نفسه رأى النعمة العظيمة حاصلة في تخليقها وترتيبها فيشكر شكرا مجملا، ثم إذا تمم النظر في معرفة المنعم آمن به ثم شكر شكرا مفصلا، فكان ذلك الشكر المجمل مقدما على الإيمان، فلهذا قدمه عليه في الذكر.
ثم قال: * (وكان الله شاكرا عليما) * لأنه تعالى لما أمرهم بالشكر سمى جزاء الشكر شكرا على سبيل الاستعارة، فالمراد من الشاكر في حقه تعالى كونه مثيبا على الشكر، والمراد من كونه عليما أنه عالم بجميع الجزئيات، فلا يقع الغلط له البتة، فلا جرم يوصل الثواب إلى الشاكر والعقاب إلى المعرض.
* (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما) * في الآية مسائل:
المسألة الأولى: في كيفية النظم وجهان: الأول: أنه تعالى لما هتك ستر المنافقين وفضحهم وكان هتك الستر غير لائق بالرحيم الكريم ذكر تعالى ما يجري مجرى العذر في ذلك فقال: * (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) * يعني أنه تعالى لا يحب إظهار الفضائح