المسألة الثالثة: رفع عيسى عليه السلام إلى السماء ثابت بهذه الآية، ونظير هذه الآية قوله في آل عمران * (إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا) * (آل عمران: 55) واعلم أنه تعالى لما ذكر عقيب ما شرح أنه وصل إلى عيسى أنواع كثيرة من البلاء والمحنة أنه رفعه إليه دل ذلك على أن رفعه إليه أعظم في باب الثواب من الجنة ومن كل ما فيها من اللذات الجسمانية، وهذه الآية تفتح عليك باب معرفة السعادات الروحانية.
ثم قال تعالى: * (وكان الله عزيزا حكيما) *.
والمراد من العزة كمال القدرة، ومن الحكمة كمال العلم، فنحتج بهذا على أن رفع عيسى من الدنيا إلى السماوات وإن كان كالمعتذر على البشر لكنه لا تعذر فيه بالنسبة إلى قدرتي وإلى حكمتي، وهو نظير قوله تعالى: * (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) * (الإسراء: 1) فإن الإسراء وإن كان متعذرا بالنسبة إلى قدرة محمد إلا أنه سهل بالنسبة إلى قدرة الحق سبحانه ثم قال تعالى:
* (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا) *.
واعلم أنه تعالى لما ذكر فضائح اليهود وقبائح أفعالهم وشرح أنهم قصدوا قتل عيسى عليه السلام وبين أنه ما حصل لهم ذلك المقصود، وأنه حصل لعيسى أعظم المناصب وأجل المراتب بين تعالى أن هؤلاء اليهود الذين كانوا مبالغين في عداواته لا يخرج أحد منهم من الدنيا إلا بعد أن يؤمن به فقال: * (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) *.
واعلم أن كلمة * (إن) * بمعنى (ما) النافية كقوله * (وإن منكم إلا واردها) * (مريم: 71) فصار التقدير: وما أحد من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به.
ثم إنا نرى أكثر اليهود يموتون ولا يؤمنون بعيسى عليه السلام.
والجواب من وجهين: الأول: ما روي عن شهر بن حوشب قال: قال الحجاج إني ما قرأتها إلا وفي نفسي منها شيء، يعني هذه الآية فإني أضرب عنق اليهودي ولا أسمع منه ذلك. فقلت: إن اليهودي إذا حضره الموت ضربت الملائكة وجهه ودبره، وقالوا يا عدو الله أتاك عيسى نبيا فكذبت به، فيقول آمنت أنه عبد الله، وتقول للنصراني: أتاك عيسى نبيا فزعمت أنه هو الله وابن الله،