بما شرع لهم بأكمل ما يكون فقال * (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم) * أي فلا تخافوا المشركين في خلافكم إياهم في الشرائع والأديان، فإني أنعمت عليكم بالدولة القاهرة والقوة العظيمة وصاروا مقهورين لكم ذليلين عندكم، وحصل لهم اليأس من أن يصيروا قاهرين لكم مستولين عليكم، فإذا صار الأمر كذلك فيجب عليكم أن لا تلتفتوا إليهم، وأن تقبلوا على طاعة الله تعالى والعمل بشرائعه وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله * (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) * فيه قولان: الأول: أنه ليس المراد هو ذلك اليوم بعينه حتى يقال إنهم ما يئسوا قبله بيوم أو يومين، وإنما هو كلام خارج على عادة أهل اللسان معناه لا حاجة بكم الآن إلى مداهنة هؤلاء الكفار لأنكم الآن صرتم بحيث لا يطمع أحد من أعدائكم في توهين أمركم، ونظيره قوله: كنت بالأمس شابا واليوم قد صرت شيخا، ولا يريد بالأمس اليوم الذي قبل يومك، ولا باليوم يومك الذي أنت فيه.
والقول الثاني: أن المراد به يوم نزول هذه الآية، وقد نزلت يوم الجمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفات على ناقته العضباء. المسألة الثانية: قوله * (يئس الذين كفروا من دينكم) * فيه قولان: الأول: يئسوا من أن تحللوا هذه الخبائث بعد أن جعلها الله محرمة. والثاني: يئسوا من أن يغلبوكم على دينكم، وذلك لأنه تعالى كان قد وعد بإعلاء هذا الدين على كل الأديان، وهو قوله تعالى: * (ليظهره على الدين كله) * (التوبة: 33) (الفتح: 28) (الصف: 9) فحقق تلك النصرة وأزال الخوف بالكلية وجعل الكفار مغلوبين بعد أن كانوا غالبين، ومقهورين بعد أن كانوا قاهرين، وهذا القول أولى. المسألة الثالثة: قال قوم: الآية دالة على أن التقية جائزة عند الخوف، قالوا لأنه تعالى أمرهم بإظهار هذه الشرائع وإظهار العمل بها وعلل ذلك بزوال الخوف من جهة الكفار، وهذا يدل على أن قيام الخوف يجوز تركها. ثم قال تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في الآية سؤال وهو أن قوله * (اليوم أكملت لكم دينكم) * يقتضي أن الدين كان ناقصا قبل ذلك، وذلك يوجب أن الدين الذي كان صلى الله عليه وسلم مواظبا عليه أكثر عمره كان ناقصا، وأنه إنما وجد الدين الكامل في آخر عمره مدة قليلة. واعلم أن المفسرين لأجل الاحتراز عن هذا الاشكال ذكروا وجوها: الأول: أن المراد من قوله