دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: هذا الرجلان هما يوشع بن نون، وكالب بن يوفنا، وكانا من الذين يخافون الله وأنعم الله عليهما بالهداية والثقة بعون الله تعالى والاعتماد على نصرة الله. قال القفال: ويجوز أن يكون التقدير: قال رجلان من الذين يخافهم بنو إسرائيل وهم الجبارون، وهما رجلان منهم أنعم الله عليهما بالإيمان فآمنا، وقالا هذا القول لقوم موسى تشجيعا لهم على قتالهم، وقراءة من قرأ * (يخافون) * بالضم شاهدة لهذا الوجه. المسألة الثانية: في قوله * (أنعم الله عليهما) * وجهان: الأول: أنه صفة لقوله * (رجلان) *، والثاني: أنه اعتراض وقع في البين يؤكد ما هو المقصود من الكلام. المسألة الثالثة: قوله * (ادخلوا عليهم الباب) * مبالغة في الوعد بالنصر والظفر، كأنه قال: متى دخلتم باب بلدهم انهزموا ولا يبقى منهم نافخ نار ولا ساكن دار، فلا تخافوهم. والله أعلم. المسألة الرابعة: إنما جزم هذان الرجلان في قولهما * (فإذا دخلتموه فإنكم غالبون) * لأنهما كانا جازمين بنبوة موسى عليه السلام، فلما أخبرهم موسى عليه السلام بأن الله قال: * (ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) * (المائدة: 21) لا جرم قطعا بأن النصرة لهم والغلبة حاصلة في جانبهم، ولذلك ختموا كلامهم بقولهم * (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) * يعني لما وعدكم الله تعالى النصر فلا ينبغي أن تصيروا خائفين من شدة قوتهم وعظم أجسامهم، بل توكلوا على الله في حصول هذا النصر لكم إن كنتم مؤمنين مقرين بوجود الإله القادر ومؤمنين بصحة نبوة موسى عليه السلام.
ثم قال تعالى:
* (قالوا يا موسى إنا لن ندخلهآ أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) *.
وفي قوله * (إذهب أنت وربك) * وجوه: الأول: لعل القوم كانوا مجسمة، وكانوا يجوزون الذهاب والمجيء على الله تعالى. الثاني: يحتمل أن لا يكون المراد حقيقة الذهاب بل هو كما يقال: كلمته فذهب يجيبني، يعني يردي أن يجيبني، فكأنهم قالوا: كن أنت وربك مردين لقتالهم،