فلان، أي تواريت منه واستترت.
قال تعالى: * (ومن هو مستخف بالليل) * (الرعد: 10) أي مستتر، فقوله: * (يستخفون من الناس) * أي يستترون من الناس ولا يستترون من الله. قال ابن عباس: يستحيون من الناس ولا يستحيون من الله. قال الواحدي: هذا معنى وليس بتفسير، وذلك لأن الاستحياء من الناس يوجب الاستتار من الناس والاستخفاء منهم، فأما أن يقال: الاستحياء هو نفس الاستخفاء فليس الأمر كذلك، وقوله: * (وهو معهم) * يريد بالعلم والقدرة والرؤية، وكفى هذا زاجرا للإنسان عن المعاصي، وقوله: * (إذ يبيتون ما لا يرضي من القول) * أي يضمرون ويقدرون في أذهانهم وذكرنا معنى التبييت في قوله: تبيت طائفة منهم) * (النساء: 81) والذي لا يرضاه الله من القول هو أن طعمة قال: أرمي اليهودي بأنه هو الذي سرق الدرع وأحلف أني لم أسرقها، فيقبل الرسول يميني لأني على دينه ولا يقبل يمين اليهودي.
فإن قيل: كيف سمي التبييت قولا وهو معنى في النفس؟ قلنا: مذهبنا أن الكلام الحقيقي هو المعنى القائم بالنفس، وعلى هذا المذهب فلا إشكال، ومن أنكر كلام النفس فله أن يجيب بأن طعمة وأصحابه لعلهم اجتمعوا في الليل ورتبوا كيفية الحيلة والمكر، فسمى الله تعالى كلامهم ذلك بالقول المبيت الذي لا يرضاه، فأما قوله * (وكان الله بما يعملون محيطا) * فالمراد الوعيد من حيث إنهم وإن كانوا يخفون كيفية المكر والخداع عن الناس إلا أنها كانت ظاهرة في علم الله، لأنه تعالى محيط بجميع المعلومات لا يخفى عليه سبحانه منها شيء ثم قال تعالى:
* (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم فى الحيوة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا) * ثم قال تعالى: * (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة) * * (ها) * للتنبيه في * (ها أنتم) * و * (هؤلاء) * وهما مبتدأ وخبر * (جادلتم) * جملة مبينة لوقوع * (أولاء) * اسما موصولا بمعنى الذي و * (جادلتم) * صلة، وأما الجدال فهو في اللغة عبارة عن شدة المخاصمة، وجدل الحبل شدة فتلة، ورجل مجدول كأنه فتل، والأجدل الصقر لأنه من أشد الطيور قوة. هذا قول الزجاج. وقال غيره: سميت المخاصمة جدالا لأن كل واحد من المخصمين يريد ميل صاحبه عما هو عليه وصرفه عن رأيه.