المسألة الخامسة: المظلوم ماذا يفعل؟ فيه وجوه: الأول: قال قتادة وابن عباس: لا يحب الله رفع الصوت بما يسوء غيره إلا المظلوم فإن له أن يرفع صوته بالدعاء على من ظلمه. الثاني: قال مجاهد: إلا أن يخبر بظلم ظالمه له. الثالث: لا يجوز إظهار الأحوال المستورة المكتومة، لأن ذلك يصير سببا لوقوع الناس في الغيبة ووقوع ذلك الإنسان في الريبة، لكن من ظلم فيجوز إظهار ظلمه بأن يذكر أنه سرق أو غصب، وهذا قول الأصم. الرابع: قال الحسن: إلا أن ينتصر من ظالمه. قيل نزلت الآية في أبي بكر رضي الله عنه، فإن رجلا شتمه فسكت مرارا، ثم رد عليه فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: شتمني وأنت جالس، فلما رددت عليه قمت، قال: إن ملكا كان يجيب عنك، فلما رددت عليه ذهب ذلك الملك وجاء الشيطان، فلم أجلس عند مجيء الشيطان، فنزلت هذه الآية.
المسألة السادسة: قرأ جماعة من الكبار: الضحاك وزيد بن أسلم وسعيد بن جبير * (إلا من ظلم) * بفتح الظاء، وفيه وجهان: الأول: أن قوله * (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول) * كلام تام، وقوله * (إلا من ظلم) * كلام منقطع عما قبله، والتقدير: لكن من ظلم فدعوه وخلوه، وقال الفراء والزجاج: يعني لكن من ظلم نفسه فإنه يجهر بالسوء من القول ظلما واعتداء. الثاني: أن يكون الاستثناء متصلا والتقدير * (إلا من ظلم) * فإنه يجوز الجهر بالسوء من القول معه.
ثم قال: * (وكان الله سميعا عليما) * وهو تحذير من التعدي في الجهر المأذون فيه، ويعني فليتق الله ولا يقل إلا الحق ولا يقذف مستورا بسوء فإنه يصير عاصيا لله بذلك، وهو تعالى سميع لما يقوله عليم بما يضمره.
* (إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا) * أعلم أن معاقد الخيرات على كثرتها محصورة في أمرين: صدق مع الحق، وخلق مع الخلق، والذي يتعلق بالخلق محصور في قسمين إيصال نفع إليهم ودفع ضرر عنهم، فدخل في هاتين الكلمتين جميع أنواع الخير وأعمال البر.
ثم قال تعالى: * (فإن الله كان عفوا قديرا) * وفيه وجوه: الأول: أنه تعالى يعفو عن الجانبين