مائل وغير منحرف، ويجوز أن ينتصب * (غير) * بمحذوف مقدر على معنى فتناول غير متجانف، ويجوز أن ينصب بقوله * (اضطر) * ويكون المقدر متأخرا على معنى: فمن اضطر غير متجانف لإثم فتناول فإن الله غفور رحيم، ومعنى الإثم هاهنا في قول أهل العراق أن يأكل فوق الشبع تلذذا، وفي قول أهل الحجاز أن يكون عاصيا بسفره، وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة في تفسير سورة البقرة في قوله * (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) * (البقرة: 173) وقوله * (فإن الله غفور رحيم) * يعني يغفر لهم أكل المحرم عندما اضطر إلى أكله، ورحيم بعباده حيث أحل لهم ذلك المحرم عند احتياجهم إلى أكله.
قوله تعالى * (يسألونك ماذآ أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا ممآ أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب) *.
قوله تعالى: * (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات) * وهذا أيضا متصل بما تقدم من ذكر المطاعم والمآكل، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب " الكشاف " في السؤال معنى القول، فلذلك وقع بعده * (ماذا أحل لهم) * كأنه قيل: يقولون لك ماذا أحل لهم، وإنما لم يقل ماذا أحل لنا حكاية لما قالوه. واعلم أن هذا ضعيف لأنه لو كان هذا حكاية لكلامهم لكانوا قد قالوا ماذا أحل لهم، ومعلوم أن هذا باطل لأنهم لا يقولون ذلك، بل إنما يقولون ماذا أحل لنا، بل الصحيح أن هذا ليس حكاية لكلامهم بعبارتهم، بل هو بيان لكيفية الواقعة. المسألة الثانية: قال الواحدي: * (ماذا) * إن جعلته اسما واحدا فهو رفع بالابتداء، وخبره * (أحل) * وإن شئت جعلت * (ما) * وحدها اسما، ويكون خبرها * (ذا) * و * (أحل) * من صلة * (ذا) * لأنه بمعنى: ما الذي أحل لهم. المسألة الثالثة: أن العرب في الجاهلية كانوا يحرمون أشياء من الطيبات كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام. فهم كانوا يحكمون بكونها طيبة إلا أنهم كانوا يحرمون أكلها لشبهات ضعيفة، فذكر تعالى أن كل ما يستطاب فهو حلال، وأكد هذه الآية بقوله * (قل من حرم زينة الله التي أخرج