وأما الخبر: فما روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت هذه الآية شقت على المؤمنين مشقة شديدة، وقالوا يا رسول الله وأينا لم يعمل سوءا فكيف الجزاء، فقال عليه الصلاة والسلام: " إنه تعالى وعد على الطاعة عشر حسنات وعلى المعصية الواحدة عقوبة واحدة فمن جوزي بالسيئة نقصت واحدة من عشرة وبقيت له تسع حسنات فويل لمن غلبت آحاده أعشاره ". وأما المعقول: فهو أن ثواب الإيمان وجميع الطاعات أعظم لا محالة من عقاب الكبيرة الواحدة والعدل يقتضي أن يحط من الأكثر مثل الأقل، فيبقى حينئذ من الأكثر شيء زائد فيدخل الجنة بسبب تلك الزيادة.
الوجه الثالث في الجواب: أن هذه الآية إنما نزلت في الكفار، والذي يدل على ما ذكرناه أنه تعالى قال بعد هذه الآية * (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أثنى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة) * (النساء: 124) فالمؤمن الذي أطاع الله سبعين سنة ثم شرب قطرة من الخمر فهو مؤمن قد عمل الصالحات، فوجب القطع بأنه يدخل الجنة بحكم هذه الآية، وقولهم: خرج عن كونه مؤمنا فهو باطل للدلائل الدالة على أن صاحب الكبيرة مؤمن، مثل قوله * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) * إلى قوله * (فإن بغت إحداهما على الأخرى) * (الحجرات: 9) سمي الباغي حال كونه باغيا مؤمنا، وقال: * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى) * (البقرة: 187) سمي صاحب القتل العمد العدوان مؤمنا، وقال: * (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله) * (التحريم: 8) سماه مؤمنا حال ما أمره بالتوبة، فثبت أن صاحب الكبيرة مؤمن، وإذا كان مؤمنا كان قوله تعالى: * (ومن يعمل من الصالحات) * حجة في أن المؤمن الذي يكون صاحب الكبيرة من أهل الجنة، فوجب أن يكون قوله * (من يعمل سوءا يجز به) * مخصوصا بأهل الكفر.