إذا أتى لها لوجه الله ولطلب مرضاته، فأما إذا أتى بها للرياء والسمعة انقلبت القضية فصارت من أعظم المفاسد، وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن المطلوب من الأعمال الظاهرة رعاية أحوال القلب في إخلاص النية، وتصفية الداعية عن الالتفات إلى غرض سوى طلب رضوان الله تعالى ونظيره قوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * (البينة: 5) وقوله * (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) * (النجم: 39) وقوله عليه الصلاة والسلام: " إنما الأعمال بالنيات " وههنا سؤالان: السؤال الأول: لم انتصب * (ابتغاء مرضات الله) *؟ والجواب: لأنه مفعول له، والمعنى لأنه لابتغاء مرضاة الله.
السؤال الثاني: كيف قال * (إلا من أمر) * ثم قال * (ومن يفعل ذلك) *.
والجواب: أنه ذكر الأمر بالخير ليدل به على فاعله لأن الأمر بالخير لما دخل في زمرة الخيرين فبأن يدخل فاعل الخير فيهم كان ذلك أولى، ويجوز أن يراد: ومن يأمر بذلك، فعبر عن الأمر بالفعل لأن الأمر أيضا فعل من الأفعال.
* (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسآءت مصيرا) * اعلم أن تعلق هذه الآية بما قبلها هو ما روي أن طعمة بن أبيرق لما رأى أن الله تعالى هتك ستره وبرأ اليهودي عن تهمة السرقة ارتد وذهب إلى مكة ونقب جدار إنسان لأجل السرقة فتهدم الجدار عليه ومات فنزلت هذه الآية. أما الشقاق والمشاققة فقد ذكرنا في سورة البقرة أنه عبارة عن كون كل واحد منهما في شق آخر من الأمر، أو عن كون كل واحد منهما فاعلا فعلا يقتضي لحوق مشقة بصاحبه، وقوله * (من بعد ما تبين له الهدى) * أي من بعد ما ظهر له بالدليل صحة دين الإسلام. قال الزجاج: لأن طعمة هذا كان قد تبين له بما أوحى الله تعالى من أمره وأظهر من سرقته ما دله ذلك على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فعادى الرسول وأظهر الشقاق وارتد عن دين الإسلام، فكان ذلك إظهار الشقاق بعد ما تبين له الهدى، قوله * (ويتبع غير سبيل المؤمنين) * يعني غير دين الموحدين، وذلك لأن طعمة ترك دين الإسلام واتبع دين عبادة الأوثان.