ثم استأنف فصرح لهم بالأمر بالعدل تأكيدا وتشديدا، ثم ذكر لهم علة الأمر بالعدل وهو قوله * (هو أقرب للتقوى) * ونظيره قوله * (وأن تعفوا أقرب للتقوى) * (البقرة: 237) أي هو أقرب للتقوى، وفيه وجهان، الأول: هو أقرب إلى الاتقاء من معاصي الله تعالى، والثاني: هو أقرب إلى الاتقاء من عذاب الله وفيه تنبيه عظيم على وجوب العدل مع الكفار الذين هم أعداء الله تعالى، فما الظن بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه وأحباؤه. ثم ذكر الكلام الذي يكون وعدا مع المطيعين ووعيدا للمذنبين وهو قوله تعالى: * (واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) * يعني أنه عالم بجميع المعلومات فلا يخفى عليه شيء من أوالكم.
ثم ذكر وعد المؤمنين فقال تعالى: * (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم) * فالمغفرة إسقاط السيئات كما قال * (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) * (الفرقان: 70) والأجر العظيم إيصال الثواب، وقوله * (لهم مغفرة وأجر عظيم) * فيه وجوه: الأول: أنه قال أولا * (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * فكأنه قيل: وأي شيء وعدهم؟ فقال * (لهم مغفرة وأجر عظيم) * الثاني: التقدير كأنه قال: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقال لهم مغفرة وأجر عظيم، والثالث: أجرى قوله * (وعد) * مجرى قال، والتقدير: قال الله في الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم، والرابع: أن يكون * (وعد) * واقعا على جملة * (لهم مغفرة وأجر عظيم) * أي وعدهم بهذا المجموع. فإن قيل: لم أخبر عن هذا الوعد مع أنه لو أخبر بالموعود به كان ذلك أقوى؟ قلنا: بل الأخبار عن كون هذا الوعد وعد الله أقوى. وذلك لأنه أضاف هذا الوعد إلى الله تعالى فقال * (وعد الله) * والإله هو الذي يكون قادرا على جميع المقدورات عالما بجميع المعلومات غنيا عن كل الحاجات، وهذا يمتنع الخلف في وعده، لأن دخول الخلف إنما يكون إما للجهل حيث ينسى وعده، وإما للعجز حيث لا يقدر على الوفاء بوعده، وإما للبخل حيث يمنعه البخل عن الوفاء بالوعد، وإما للحاجة، فإذا كان الإله هو الذي يكون منزها عن كل هذه الوجوه كان دخول الخلف في وعده محالا، فكان الإخبار عن هذا الوعد أوكد وأقوى من نفس الأخبار عن الموعود به، وأيضا فلأن هذا الوعد يصل إليه قبل الموت فيفيده السرور عن سكرات الموت فتسهل بسببه