فتلهف على فعله، وعلم أنه لا قدرة له على التقرب إلى أخيه إلا بأن يدفنه في الأرض، فلا جرم قال: يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب. المسألة الثانية: قوله: * (يا ويلتي) * اعتراف على نفسه باستحقاق العذاب، وهي كلمة تستعمل عند وقوع الداهية العظيمة، ولفظها لفظ النداء، وكأن الويل غير حاضر له فناداه ليحضره، أي أيها الويل أحضر، فهذا أوان حضورك، وذكر * (يا) * زيادة بيان كما في قوله * (يا ويلتي أأكد) * (هود: 72) والله أعلم. المسألة الثالثة: لفظ الندم وضع للزوم، ومنه سمي النديم نديما لأنه يلازم المجلس. وفيه سؤال: وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال: " الندم توبة " فلما كان من النادمين كان من التائبين فلم لم تقبل توبته؟ أجابوا عنه من وجوه: أحدها: أنه لما لم يعلم الدفن إلا من الغراب صار من النادمين على حمله على ظهره سنة، والثاني: أنه صار من النادمين على قتل أخيه، لأنه لم ينتفع بقتله، وسخط عليه بسببه أبوه وإخوته، فكان ندمه لأجل هذه الأسباب لا لكونه معصية، والثالث: أن ندمه كان لأجل أنه تركه بالعراء استخفافا به بعد قتله، فلما رأى أن الغراب لما قتل الغراب دفنه ندم على قساوة قلبه وقال: هذا أخي وشقيقي ولحمه مختلط بلحمي ودمه مختلط بدمي، فإذا ظهرت الشفقة من الغراب على الغراب ولم تظهر مني على أخي كنت دون الغراب في الرحمة والأخلاق الحميدة فكان ندمه لهذه الأسباب، لا لأجد الخوف من الله تعالى فلا جرم لم ينفعه ذلك الندم ثم قال تعالى:
* (من أجل ذلك كتبنا على بنى إسراءيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الارض فكأنما قتل الناس جميعا) * وفيه مسائل: