المسألة الثانية: أنهم إنما كانوا كافرين حقا لوجهين: الأول: أن الدليل الذي يدل على نبوة البعض ليس إلا المعجز، وإذا كان دليلا على النبوة لزم القطع بأنه حيث حصل حصلت النبوة فإن جوزنا في بعض المواضع حصول المعجز بدون الصدق تعذر الاستدلال به على الصدق، وحينئذ يلزم الكفر بجميع الأنبياء فثبت أن من لم يقبل نبوة أحد منهم لزمه الكفر بجميعهم.
فإن قيل: هب أنه يلزمهم الكفر بكل الأنبياء، ولكن ليس إذا توجه بعض الالزامات على الإنسان لزم أن يكون ذلك الإنسان قائلا به، فإلزام الكفر غير، والتزام الكفر غير، والقوم لما لم يلتزموا ذلك فيكف يقضى عليهم بالكفر.
قلنا: الإلزام إذا كان خفيا بحيث يحتاج فيه إلى فكر وتأمل كان الأمر فيه كما ذكرتم، أما إذا كان جليا واضحا لم يبق بين الالزام والالتزام فرق، والثاني: وهو أن قبول بعض الأنبياء أن كان لأجل الانقياد لطاعة الله تعالى وحكمه وجب قبول الكل، وإن كان لطلب الرياسة كان ذلك في الحقيقة كفرا بكل الأنبياء.
المسألة الثالثة: في قوله * (حقا) * وجهان: الأول: أنه انتصب على مثل قولك: زيد أخوك حقا، والتقدير أخبرتك بهذا المعنى إخبارا حقا، والثاني: أن يكون التقدير: أولئك هم الكافرون كفرا حقا. طعن الواحدي فيه وقال: الكفر لا يكون حقا بوجه من الوجوه.
والجواب أن المراد بهذا الحق الكامل، المعنى أولئك هم الكافرون كفرا كاملا ثابتا حقا يقينا.
* (والذين ءامنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما) *.
واعلم أنه تعالى لما ذكر الوعيد أردفه بالوعد فقال: * (والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: إنما قال: * (ولم يفرقوا بين أحد منهم) * مع أن التفريق يقتضي شيئين فصاعدا إلا أن أحدا لفظ يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، ويدل عليه وجهان: الأول: صحة الاستثناء. والثاني: قوله تعالى: * (لستن كأحد من النساء) * (الأحزاب: 32). إذا عرفت هذا فتقدير الآية: ولم يفرقوا بين اثنين منهم أو بين جماعة.
المسألة الثانية: تمسك أصحابنا بهذه الآية في إثبات العفو وعدم الاحباط فقالوا: إنه تعالى