وأما السؤال الثاني: وهو قوله: ما الفائدة في ذكر لفظة * (عيسى) * ههنا؟ فنقول: الفائدة فيها الدلالة على أن ترك الهجرة أمر مضيق لا توسعة فيه، حتى أن المضطر البين الاضطرار من حقه أن يقول: عسى الله أن يعفو عني، فكيف الحال في غيره. هذا هو الذي ذكره صاحب " الكشاف " في الجواب عن هذا السؤال، إلا أن الأولى أن يكون الجواب ما قدمناه، وهو أن الإنسان لشدة نفرته عن مفارقة الوطن ربما ظن نفسه عاجزا عنها مع أنه لا يكون كذلك في الحقيقة، فلهذا المعنى ذكر العفو بكلمة * (عسى) * لا بالكلمة الدالة على القطع.
ثم قال تعالى: * (وكان الله عفوا غفورا) * ذكر الزجاج في * (كان) * ثلاثة أوجه: الأول: كان قبل أن خلق الخلق موصوفا بهذه الصفة. الثاني: أنه قال * (كان) * مع أن جميع العباد بهذه الصفة والمقود بيان أن هذه عادة الله تعالى أجراها في حق خلقه. الثالث: لو قال: إنه تعالى عفو غفور كان هذا إخبارا عن كونه كذلك فقط، ولما قال إنه كان كذلك كان هذا إخبارا وقع مخبره على وفقه فكان ذلك أدل على كونه صدقا وحقا ومبرأ عن الخلف والكذب. واحتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى قد يعفو عن الذنب قبل التوبة فإنه لو لم يحصل ههنا شيء من الذنب لامتنع حصول العفو والمغفرة فيه، فلما أخبر بالعفو والمغفرة دل على حصول الذنب، ثم إنه تعالى وعد بالعفو مطلقا غير مقيد بحال التوبة فيدل على ما ذكرناه.
* (ومن يهاجر فى سبيل الله يجد فى الارض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما) *.
واعلم أن ذلك المانع أمران: الأول: أن يكون له في وطنه نوع راحة ورفاهية، فيقول لو فارقت الوطن وقعت في الشدة والمشقة وضيق العيش، فأجاب الله عنه بقوله: * (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة) * يقال: راغمت الرجل إذا فعلت ما يكرهه ذلك الرجل، واشتقاقه من الرغام وهو التراب، فإنهم يقولون: رغم أنفه، يريدون به أنه وصل إليه