قلنا: المراد من قوله * (وأصلح) * أي يتوب بنية صالحة صادقة وعزيمة صحيحة خالية عن سائر الأغراض. المسألة الثانية: إذا تاب قبل القطع تاب الله عليه، وهل يسقط عنه الحد؟ قال بعض العلماء التابعين: يسقط عنه الحد، لأن ذكر الغفور الرحيم في آخر هذه الآية يدل على سقوط العقوبة عنه، والعقوبة المذكورة في هذه الآية هي الحد، فظاهر الآية يقتضي سقوطها. وقال الجمهور: لا يسقط عنه هذا الحد، بل يقام عليه على سبيل الإمتحان. المسألة الثالثة: دلت الآية على أن قبول التوبة غير واجب على الله تعالى لأنه تعالى تمدح بقبول التوبة، والتمدح إنما يكون بفعل التفضل والإحسان، لا بأداء الواجبات ثم قال تعالى:
* (ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والارض يعذب من يشآء ويغفر لمن يشآء والله على كل شىء قدير) *.
واعلم أنه تعالى لما أوجب قطع اليد وعقاب الآخرة على السارق قبل التوبة، ثم ذكر أنه يقبل توبته إن تاب أردفه ببيان أن له أن يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فيعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء، وإنما قدم التعذيب على المغفرة لأنه في مقابلة تقدم السرقة على التوبة. قال الواحدي: الآية واضحة للقدرية في التعديل والتجويز، وقولهم بوجوب الرحمة للمطيع، ووجوب العذاب للعاصي على الله، وذلك لأن الآية دالة على أن الرحمة مفوضة إلى المشيئة والوجوب ينافي ذلك. وأقول: فيه وجه آخر يبطل قولهم، وذلك لأنه تعالى ذكر أولا قوله * (ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض) * ثم رتب عليه قوله * (يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء) * وهذا يدل على أنه إنما حسن منه التعذيب تارة، والمغفرة أخرى، لأنه مالك الخلق وربهم وإلههم، وهذا هو مذهب أصحابنا فإنهم يقولون: إنه تعالى يحسن منه كل ما يشاء ويريد لأجل كونه مالكا لجميع المحدثات، والمالك له أنه يتصرف في ملكه كيف شاء وأراد: أما المعتزلة فإنهم يقولون: حسن هذه الأفعال من الله تعالى ليس لأجل كونه إلها للخلق ومالكا لهم، بل لأجل رعاية المصالح والمفاسد، وذلك يبطله صريح هذه الآية كما قررناه.