المسألة الثالثة: قال سعيد بن المسيب والحسن * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) * يدخل فيه الذميات والحربيات، فيجوز التزوج بكلهن، وأكثر الفقهاء على أن ذلك مخصوص بالذمية فقط، وهذا قول ابن عباس، فإنه قال: من نساء أهل الكتاب من يحل لنا، ومنهن من لا يحل لنا، وقرأ * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله) * إلى قوله * (حتى يعطوا الجزية عن يد) * (التوبة: 29) فمن أعطى الجزية حل، ومن لم يعط لم يحل.
المسألة الرابعة: اتفقوا على أن المجوس قد سن بهم سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم، وروي عن ابن المسيب أنه قال: إذا كان المسلم مريضا فأمر المجوسي أن يذكر الله ويذبح فلا بأس، وقال أبو ثور: وإن أمرة بذلك في الصحة فلا بأس. المسألة الخامسة: قال الكثير من الفقهاء: إنما يحل نكاح الكتابية التي دانت بالتوراة والإنجيل قبل نزول القرآن، قالوا: والدليل عليه قوله * (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) * فقوله * (من قبلكم) * يدل على أن من دان الكتاب بعد نزول الفرقان خرج عن حكم الكتاب. ثم قال تعالى: * (إذا أتيتموهن أجورهن) * وتقييد التحليل بإيتاء الأجور يدل على تأكد وجوبها وأن من تزوج امرأة وعزم على أن لا يعطيها صداقها كان في صورة الزاني، وتسمية المهر بالأجر يدل على أن الصداق لا يتقدر، كما أن أقل الأجر لا يتقدر في الإجارات. ثم قال تعالى: * (محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخذان) * قال الشعبي: الزنا ضربان: السفاح وهو الزنا على سبيل الإعلان، واتخاذ الخدن وهو الزنا في السر، والله تعالى حرمهما في هذه الآية وأباح التمتع بالمرأة على جهة الاحصان وهو التزوج. ثن قال تعالى: * (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان: الأول: أن المقصود منه الترغيب فيما تقدم من التكاليف والأحكام، يعني ومن يكفر بشرائع الله وبتكاليفه فقد خاب وخسر في الدنيا والآخرة، والثاني: قال القفال: المعنى أن أهل الكتاب وإن حصلت لهم في الدنيا فضيلة المناكحة وإباحة الذبائح في الدنيا إلا أن ذلك لا يفرق بينهم وبين المشركين في أحوال الآخرة وفي الثواب والعقاب، بل كل من كفر بالله فقد حبط عمله في الدنيا ولم يصل إلى شيء من السعادات في الآخرة البتة.
المسألة الثانية: قوله * (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله) * فيه إشكال، وهو أن الكفر إنما