أمركم، فلما شاهدتم صدق قولنا فادفعوا إلينا نصيبا مما وجدتم.
والحاصل أن المنافقين يمنون على الكافرين بأنا نحن الذين أرشدناكم إلى هذه المصالح، فادفعوا إلينا نصيبا مما وجدتم.
فإن قيل: لم سمي ظفر المسلمين فتحا وظفر الكفار نصيبا؟ قلنا: تعظيما لشأن المؤمنين واحتقارا لحظ الكافرين، لأن ظفر المؤمنين أمر عظيم تفتح له أبواب السماء حتى تنزل الملائكة بالفتح على أولياء الله، وأما ظفر الكافرين فما هو إلا حظ دنيء ينقضي ولا يبقى منه إلا الذم في الدنيا والعقوبة في العاقبة.
ثم قال تعالى: * (فالله يحكم بينكم يوم القيامة) * أي بين المؤمنين والمنافقين: والمعنى أنه تعالى ما وضع السيف في الدنيا عن المنافقين، بل آخر عقابهم إلى يوم القيامة.
ثم قال: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * وفيه قولان: الأول: وهو قول علي عليه السلام وابن عباس رضي الله عنهما: أن المراد به في القيامة بدليل أنه عطف على قوله * (فالله يحكم بينكم يوم القيامة) * الثاني: أن المراد، به في الدنيا ولكنه مخصوص بالحجة، والمعنى أن حجة المسلمين غالبة على حجة الكل، وليس لأحد أن يغلبهم بالحجة والدليل الثالث: هو أنه عام في الكل إلا ما خصه الدليل، وللشافعي رحمه الله مسائل: منها أن الكافر إذا استولى على مال المسلم وأحرزه بداء الحرب لم يملكه بدلالة هذه الآية، ومنها أن الكافر ليس له أن يشتري عبدا مسلما بدلالة هذه الآية، ومنها أن المسلم لا يقتل بالذمي بدلالة هذه الآية.
* (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلوة قاموا كسالى يرآءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) *.
قوله تعالى: * (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) * قد مر تفسير الخداع في سورة البقرة في قوله * (يخادعون الله والذين آمنوا) * (البقرة: 9) قال الزجاج في تفسير هذه الآية * (يخادعون الله) * أي يخادعون رسول الله، أي يظهرون له الإيمان ويبطنون الكفر كما قال: * (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) * (الفتح: 10) وقوله * (وهو خادعهم) * أي مجازيهم بالعقاب على خداعهم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه تعالى خادعهم الآخرة، وذلك أنه تعالى يعطيهم نورا كما يعطي المؤمنين فإذا وصلوا إلى الصراط انطفأ نورهم وبقوا في الظلمة، ودليله قوله تعالى: * (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون) * (البقرة: 17).
ثم قال تعالى: * (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) * يعني وإذا قاموا إلى الصلاة مع المسلمين قاموا كسالى، أي متثاقلين متباطئين وهو معنى الكسل في اللغة، وسبب ذلك الكسل أنهم يستثقلونها