مذهب النصارى.
ثم قال تعالى (انتهوا خيرا لكم) وقد ذكرنا وجه انتصابه عند قوله (فآمنوا خيرا لكم) ثم أكد التوحيد بقوله (إنما الله إله واحد) ثم نزه نفسه عن الولد بقوله (سبحانه أن يكون له ولد) ودلائل تنزيه الله عن الولد قد ذكرناها في سورة آل عمران وفى سورة مريم على الاستقصاء. وقرأ الحسن: إن يكون، بكسر الهمزة من أن ورفع النون من يكون، أي سبحانه ما يكون له ولد، وعلى هذا التقدير فالكلام جملتان.
ثم قال تعالى (له ما في السماوات وما في الأرض) واعلم أنه سبحانه في كل موضع نزه نفسه عن الولد ذكر كونه ملكا ومالكا لما في السماوات وما في الأرض فقال في مريم (ان كل من في السماوات والأرض الا آتي الرحمن عبدا) والمعنى: من كان مالكا لكل السماوات والأرض ولكل ما فيها كان مالكا لعيسى ولمريم لأنهما كانا في السماوات وفى الأرض، وما كانا أعظم من غيرهما في الذات والصفات، وإذا كان مالكا لما هو أعظم منهما فبأن يكون مالكا لهما أولى، وإذا كانا مملوكين له فكيف يعقل مع هذا توهم كونهما له ولدا وزوجة ثم قال (وكفى بالله وكيلا) والمعنى أن الله سبحانه كاف في تدبير المخلوقات وفى حفظ المحدثات فلا حاجة معه إلى القول باثبات إله، آخر، وهو إشارة إلى ما يذكره المتكلمون من أنه سبحانه لما كان عالما بجميع المعلومات قادرا على كل المقدورات كان كافيا في الإلهية، ولو فرضنا إلها آخر معه لكان معطلا لا فائدة فيه، وذلك نقص، والناقص لا يكون إلها ثم قال تعالى (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون) وفيه مسائل (المسألة الأولى) قال الزجاج: لن يستنكف أي لن يأنف، وأصله في اللغة من نكفت الدمع إذا نحيته بإصبعك عن خدك، فتأمل (لن يستنكف) أي لن يتنغص ولن يمتنع، وقال الأزهري: سمعت المنذري يقول: سمعت أبا العباس وقد سئل عن الاستنكاف فقال: هو من النكف، يقال ما عليه في هذا الامر من نكف ولا وكف، والنكف أن يقال له سوء، واستنكف إذا دفع ذلك السوء عنه (المسألة الثانية) روى أن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تعيب صاحبنا قال: ومن صاحبكم؟ قالوا عيسى، قال: وأي شئ قلت؟ قالوا تقول إنه عبد الله رسوله، قال إنه