لعباده والطيبات من الرزق) * (الأعراف: 32) وبقوله * (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) * (الأعراف: 157).
واعلم أن الطيب في اللغة هو المستلذ، والحلال المأذون فيه يسمى أيضا طيبا تشبيها بما هو مستلذ، لأنهما اجتمعا في انتفاء المضرة، فلا يمكن أن يكون المراد بالطيبات هاهنا المحللات، وإلا لصار تقدير الآية: قل أحل لكم المحللات، ومعلوم أن هذا ركيك، فوجب حمل الطيبات على المستلذ المشتهى، فصار التقدير: أحل لكم كل ما يستلذ ويشتهى. ثم اعلم أن العبرة في الاستلذاذ والاستطابة بأهل المروءة والأخلاق الجميلة، فإن أهل البادية يستطيبون أكل جميع الحيوانات، ويتأكد دلالة هذه الآيات بقوله تعالى: * (خلق لكم ما في الأرض جميعا) * (البقرة: 29) فهذا يقتضي التمكن من الانتفاع بكل ما في الأرض، إلا أنه أدخل التخصيص في ذلك العموم فقال * (ويحرم عليهم الخبائث) * (الأعراف؛ 157) ونص في هذه الآيات الكثيرة على إباحة المستلذات والطيبات فصار هذا أصلا كبيرا، وقانون مرجوعا إليه في معرفة ما يحل ويحرم من الأطعمة، منها أن لحم الخيل مباح عند الشافعي رحمه الله. وقال أبو حنيفة رحمه الله ليس بمباح. حجة الشافعي رحمه الله أنه مستلذ مستطاب، والعلم به ضروري، وإذا كان كذلك وجب أن يكون حلالا لقوله * (أحل لكم الطيبات) * ومنها أن متروك التسمية عند الشافعي رحمه الله مباح، وعند أبي حنيفة حرام، حجة الشافعي رحمه الله أنه مستطاب مستلذ، فوجب أن يحل لقوله * (أحل لكم الطيبات) * ويدل أيضا على صحة قول الشافعي رحمه الله في هاتين المسألتين قوله تعالى: * (إلا ما ذكيتم) * استثنى المذكاة بما بين اللبة والصدر، وقد حصل ذلك في الخيل، فوجب أن تكون مذكاة، فوجب أن تحل لعموم قوله * (إلا ما ذكيتم) *. (المائدة: 3) وأما في متروك التسمية فالذكاة أيضا حاصلة لأنا أجمعنا على أنه لو ترك التسمية ناسيا فهي مذكاة، وذلك يدل على أن ذكر الله تعالى باللسان ليس جزءا من ماهية الذكاة، وإذا كان كذلك كان الإتيان بالذكاة بدون الإتيان بالتسمية ممكنا، فنحن مثلكم فيما إذا وجد ذلك، وإذا حصلت الذكاة دخل تحت قوله * (إلا ما ذكيتم) * ومنها أن لحم الحمر الأهلية مباح عند مالك وعند بشر المريسي وقد احتجا بهاتين الآيتين، إلا أنا نعتمد في تحريم ذلك على ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه حرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر. ثم قال تعالى: * (وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في هذه الآية قولان: الأول: أن فيها إضمارا، والتقدير أحل لكم الطيبات وصيد ما علمتم من الجوارح مكلبين، فحذف الصيد وهو مراد في الكلام لدلالة الباقي عليه، وهو