جرم وصف الله تعالى طعن اليهود فيها بأنه بهتان عظيم، وكذلك وصف طعن المنافقين في عائشة بأنه بهتان عظيم حيث قال: * (سبحانك هذا بهتان عظيم) * (النور: 16) وذلك يدل على أن الروافض الذين يطعنون في عائشة بمنزلة اليهود الذين يطعنون في مريم عليها السلام.
* (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفى شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا * بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما) *.
وسادسها: قوله تعالى: * (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله) *. وهذا يدل على كفر عظيم منهم لأنهم قالوا فعلنا ذلك، وهذا يدل على أنهك كانوا راغبين في قتله مجتهدين في ذلك، فلا شك أن هذا القدر كفر عظيم.
فإن قيل: اليهود كانوا كافرين بعيسى أعداء له عامدين لقتله يسمونه الساحر ابن الساحرة والفاعل ابن الفاعلة، فكيف قالوا: إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله؟ والجواب عنه من وجهين: الأول: أنهم قالوه على وجه الاستهزاء كقول فرعون * (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون) * (الشعراء: 27) وكقول كفار قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: * (يا أيها الذين نزل عليه الذكر إنك لمجنون) * (الحجز: 6)، والثاني: أنه يجوز أن يضع الله الذكر الحسن مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنهم رفعا لعيسى عليه السلام عما كانوا يذكرونه به.
ثم قال تعالى * (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) *.
واعلم أنه تعالى لما حكى عن اليهود أنهم زعموا أنهم قتلوا عيسى عليه السلام فالله تعالى كذبهم في هذه الدعوى وقال * (ومال قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) * وفي الآية سؤالان: السؤال الأول: قوله * (شبه) * مسند إلى ماذا؟ إن جعلته مسندا إلى المسيح فهو مشبه به وليس بمشبه، وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر.
والجواب من وجهين: الأول: أنه مسند إلى الجار والمجرور، وهو كقولك: خيل إليه كأنه قيل: ولكن وقع لهم الشبه. الثاني: أن يسند إلى ضمير المقتول لأن قوله * (وما قتلوه) * يدل على أنه وقع القتل على غيره فصار ذلك الغير مذكورا بهذا الطريق، فحسن إسناد * (شبه) * إليه.
السؤال الثاني: أنه إن جاز أن يقال: أن الله تعالى يلقي شبه إنسان على إنسان آخر فهذا يفتح باب السفسطة، فإنا إذا رأينا زيدا فلعله ليس بزيد، ولكنه ألقى شبه زيد عليه، وعند ذلك