في طيبات الدنيا والانهماك في معاصي الله سبحانه وإن كان في الحال لذيذا إلا أن عاقبته عذاب جهنم وسخط الله والبعد عن رحمته، فكان هذا المعنى مما يقوي ما تقدم ذكره من أنه ليس إلا الغرور.
ثم قال تعالى: * (ولا يجدون عنها محيصا) * المحيص المعدل والمفر.
قال الواحدي رحمه الله: هذه الآية تحتمل وجهين: أحدهما: أنه لا بد لهم من ورودها.
الثاني: التخليد الذي هو نصيب الكفار، وهذا غير بعيد لأن الضمير في قوله * (ولا يجدون) * عائد إلى الذين تقدم ذكرهم، وهم الذين قال الشيطان: لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا. والأظهر أن الذي يكون نصيبا للشيطان هم الكفار.
ولما ذكر الله الوعيد أردفه بالوعد فقال: * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا) *.
وأعلم أنه تعالى في أكثر آيات الوعد ذكر * (خالدين فيها أبدا) * ولو كان الخلود يفيد التأبيد والدوام للزم التكرار وهو خلاف الأصل، فعلمنا أن الخلود عبارة عن طول المكث لا عن الدوام، وأما في آيات الوعيد فإنه يذكر الخلود ولم يذكر التأبيد إلا في حق الكفار، وذلك يدل على أن عقاب الفساق منقطع.
ثم قال: * (وعد الله حقا) * قال صاحب " الكشاف ": هما مصدران: الأول: مؤكد لنفسه، كأنه قال: وعد وعدا وحقا مصدر مؤكد لغيره، أي حق ذلك حقا.
ثم قال: * (ومن أصدق من الله قيلا) * وهو توكيد ثالث بليغ.
وفائدة هذه التوكيدات معارضة ما ذكره الشيطان لأتباعه من المواعيد الكاذبة والأماني الباطلة، والتنبيه على أن وعد الله أولى بالقبول وأحق بالتصديق من قول الشيطان الذي ليس أحد أكذب منه، وقرأ حمزة والكسائي * (أصدق من الله قيلا) * باشمام الصاد الزاي، وكذلك كل صاد ساكنة بعدها دال في القرآن نحو * (قصد السبيل) * (النحل: 9) * (فاصدع بما تؤمر) * (الحجر: 94) والقيل: مصدر قال قولا وقيلا، وقال ابن السكيت: القيل والقال اسمان لا مصدران ثم قال تعالى:
* (ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا) * قوله تعالى: * (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الأمنية أفعولة من المنية، وتمام الكلام في هذا اللفظ مذكور في قوله تعالى