على أنه لا يورث، بل يكون لبيت المال، أما المال الذي اكتسبه حال كونه مسلما ففيه قولان: قال الشافعي: لا يورث بل يكون لبيت المال، وقال أبو حنيفة: يرثه ورثته من المسلمين، حجة الشافعي أنا أجمعنا على ترجيح قوله عليه السلام: " لا يتوارث أهل ملتين " على عموم قوله: * (للذكر مثل حظ الأنثيين) * والمرتد وورثته من المسلمين أهل ملتين، فوجب أن لا يحصل التوارث.
فان قيل: لا يجوز أن يقال: إن المرتد زال ملكه في آخر الاسلام وانتقل إلى الوارث، وعلى هذا التقدير فالمسلم انما ورث عن المسلم لا عن الكافر.
قلنا: لو ورث المسلم من المرتد لكان إما أن يرثه حال حياة المرتد أو بعد مماته، والأول باطل، ولا يحل له أن يتصرف في تلك الأموال لقوله تعالى: * (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) * (المؤمنون: 6) وهو بالاجماع باطل. والثاني: باطل لأن المرتد عند مماته كافر فيفضي إلى حصول التوارث بين أهل ملتين، وهو خلاف الخبر. ولا يبقى ههنا إلا أن يقال: إنه يرثه بعد موته مستندا إلى آخر جزء من أجزاء إسلامه، إلا أن القول بالاستناد باطل، لأنه لما لم يكن الملك حاصلا حال حياة المرتد، فلو حصل بعد موته على وجه صار حاصلا في زمن حياته لزم إيقاع التصرف في الزمان الماضي، وذلك باطل في بداهة العقول، وإن فسر الاستناد بالتبيين عاد الكلام إلى أن الوارث ورثه من المرتد حال حياة المرتد، وقد أبطلناه والله أعلم.
الموضع الرابع: من تخصيصات هذه الآية ما هو مذهب أكثر المجتهدين أن الأنبياء عليهم السلام لا يورثون، والشيعة خالفوا فيه، روي أن فاطمة عليها السلام لما طلبت الميراث ومنعوها منه، احتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة " فعند هذا احتجت فاطمة عليها السلام بعموم قوله: * (للذكر مثل حظ الأنثيين) * وكأنها أشارت إلى أن عموم القرآن لا يجوز تخصيصه بخبر الواحد، ثم إن الشيعة قالوا: بتقدير أن يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد إلا أنه غير جائز ههنا، وبيانه من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه على خلاف قوله تعالى: حكاية عن زكريا عليه السلام * (يرثني ويرث من آل يعقوب) * (مريم: 6) وقوله تعالى: * (وورث سليمان داود) * (النمل: 16) قالوا: ولا يمكن حمل ذلك على وراثة العلم والدين لأن ذلك لا يكون وراثة في الحقيقة. بل يكون كسبا جديدا مبتدأ، إنما التوريث لا يتحقق إلا في المال على سبيل الحقيقة، وثانيها: أن المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلا فاطمة وعلي والعباس وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء وأهل الدين، وأما أبو بكر فإنه ما كان محتاجا إلى معرفة هذه المسألة البتة، لأنه ما كان ممن يخطر بباله أنه يرث من الرسول عليه الصلاة والسلام فكيف يليق بالرسول عليه الصلاة والسلام أن يبلغ هذه المسألة إلى من لا حاجة به إليها ولا يبلغها إلى من له إلى معرفتها أشد الحاجة، وثالثها: يحتمل أن قوله: " ما تركناه صدقة " صلة لقوله: