واعلم أن هذا يفيد أحكاما: أحدهما: إذا خلف الميت ذكرا واحدا وأنثى واحدة فللذكر سهمان وللأنثى سهم، وثانيها: إذا كان الوارث جماعة من الذكور وجماعة من الإناث كان لكل ذكر سهمان، ولك أنثى سهم. وثالثها: إذا حصل مع الأولاد جمع آخرون من الوارثين كالأبوين والزوجين فهم يأخذون سهامهم، وكان الباقي بعد تلك السهام بين الأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين فثبت أن قوله: * (للذكر مثل حظ الأنثيين) * يفيد هذه الأحكام الكثيرة.
القسم الثاني: ما إذا مات وخلف الإناث فقط: بين تعالى أنهم إن كن فوق اثنتين، فلهن الثلثان، وإن كانت واحدة فلها النصف، إلا أنه تعالى لم يبين حكم البنتين بالقول الصريح. واختلفوا فيه، فعن ابن عباس أنه قال: الثلثان فرض الثلاث من البنات فصاعدا، وأما فرض البنتين فهو النصف، واحتج عليه بأنه تعالى قال: * (فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) * وكلمة " إن " في اللغة للاشتراط، وذلك يدل على أن أخذ الثلثين مشروط بكونهن ثلاثا فصاعدا، وذلك ينفي حصول الثلثين للبنتين.
والجواب من وجوه: الأول: أن هذا الكلام لازم على ابن عباس، لأنه تعالى قال: * (وإن كانت واحدة فلها النصف) * فجعل حصول النصف مشروطا بكونها واحدة، وذلك ينفي حصول النصف نصيبا للبنتين، فثبت أن هذا الكلام إن صح فهو يبطل قوله. الثاني: أنا لا نسلم أن كلمة " ان " تدل على انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف؛ ويدل عليه أنه لو كان الأمر كذلك لزم التناقض بين هاتين الآيتين، لأن الاجماع دل على أن نصيب الثنتين إما النصف، وإما الثلثان، وبتقدير أن يكون كلمة " إن " للاشتراط وجب القول بفسادهما، فثبت أن القول بكلمة الاشتراط يفضي إلى الباطل فكان باطلا، ولأنه تعالى قال: * (وان لم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) * (البقرة: 283) وقال: لا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة إن خفتم، ولا يمكن أن يفيد معنى الاشتراط في هذه الآيات.
الوجه الثالث: في الجواب: هو أن في الآية تقديما وتأخيرا، والتقدير: فان كن نساء اثنتين فما فوقهما فلهن الثلثان، فهذا هو الجواب عن حجة ابن عباس، وأما سائر الأمة فقد أجمعوا على أن فرض البنتين الثلثان، قالوا: وإنما عرفنا ذلك بوجوه: الأول: قال أبو مسلم الأصفهاني: عرفناه من قوله تعالى: * (للذكر مثل حظ الأنثيين) * وذلك لأن من مات وخلف ابنا وبنتا فههنا يجب أن يكون نصيب الابن الثلثين لقوله تعالى: * (للذكر مثل حظ الأنثيين) * فإذا كان نصيب الذكر مثل نصيب الأنثيين، ونصيب الذكر ههنا هو الثلثان، وجب لا محالة أن يكون نصيب الابنتين