المسألة الثالثة: هم: ضمير عائد إلى شيء قد تقدم ذكره، وقد تقدم ذكر من اتبع رضوان الله وذكر من باء بسخط من الله، فهذا الضمير يحتمل أن يكون عائدا إلى الأول، أو إلى الثاني، أو إليهما معا، والاحتمالات ليست الا هذه الثلاثة.
الوجه الأول: أن يكون عائدا إلى * (من اتبع رضوان الله) * وتقديره: أفمن اتبع رضوان الله سواء، لا بل هم درجات عند الله على حسب أعمالهم، والذي يدل على أن هذا الضمير عائد إلى من اتبع الرضوان وأنه أولى، وجوه: الأول: ان الغالب في العرف استعمال الدرجات في أهل الثواب، والدركات في أهل العقاب. الثاني: أنه تعالى وصف من باء بسخط من الله، وهو أن مأواهم جهنم وبئس المصير، فوجب أن يكون قوله: * (هم درجات) * وصفا لمن اتبع رضوان الله. الثالث: أن عادة القرآن في الأكثر جارية بأن ما كان من الثواب والرحمة فان الله يضيفه إلى نفسه، وما كان من العقاب لا يضيفه إلى نفسه، قال تعالى: * (كتب ربكم على نفسه الرحمة) * وقال: * (كتب عليكم القصاص) * (البقرة: 178) * (كتب عليكم الصيام) * (البقرة: 183) فما أضاف هذه الدرجات إلى نفسه حيث قال: * (هم درجات عند الله) * علمنا أن ذلك صفة أهل الثواب. ورابعها: أنه متأكد بقوله تعالى: * (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) * (الإسراء: 21).
والوجه الثاني: أن يكون قوله: * (هم درجات) * عائدا على * (من باء بسخط من الله) * والحجة أن الضمير عائد إلى الأقرب وهو قول الحسن، قال: والمراد أن أهل النار متفاوتون في مراتب العذاب، وهو كقوله: * (ولكل درجات مما عملوا) * (الأحقاف: 19) وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان فيها أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل يحذى له نعلان من نار يعلى من حرهما دماغه ينادي يا رب وهل أحد يعذب عذابي ".
الوجه الثالث: أن يكون قوله: * (هم) * عائدا إلى الكل، وذلك لأن درجات أهل الثواب متفاوتة، ودرجات أهل العقاب أيضا متفاوتة على حسب تفاوت أعمال الخلق، لأنه تعالى قال: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) * (الزلزلة: 7 - 8) فلما تفاوتت مراتب الخلق في أعمال المعاصي والطاعات وجب أن تتفاوت مراتبهم في درجات العقاب والثواب.
المسألة الرابعة: قوله: * (عند الله) * أي في حكم الله وعلمه، فهو كما يقال: هذه المسألة عند الشافعي كذا، وعند أبي حنيفة كذا، وبهذا يظهر فساد استدلال المشبهة بقوله: * (ومن عنده لا يستكبرون) * (الأنبياء: 19) وقوله: * (عند مليك مقتدر) * (القمر: 55).