والدناءة، فإذا شرفه الله تعالى وخصه بمزايا الفضل والاحسان من جميع العالمين، حصل لكم شرف عظيم بسبب كونه فيكم، فطعنكم فيه واجتهادكم في نسبة القبائح إليه على خلاف العقل.
الوجه الرابع: انه لما كان في الشرف والمنقبة بحيث يمن الله به على عباده وجب على كل عاقل أن يعينه بأقصى ما يقدر عليه، فوجب عليكم أن تحاربوا أعداءه وأن تكونوا معه باليد واللسان والسيف والسنان، والمقصود منه العود إلى ترغيب المسلمين في مجاهدة الكفار وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قال الواحدي رحمه الله: للمن في كلام العرب معان: أحدها: الذي يسقط من السماء وهو قوله: * (وأنزلنا عليكم المن والسلوى) * (البقرة: 57) وثانيها: أن تمن بما أعطيت وهو قوله: * (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) * (البقرة: 264) وثالثها: القطع وهو قوله: * (لهم أجر غير منون) * (فصلت: 8) * (وان لك لأجرا غير ممنون) * ورابعها: الانعام والاحسان إلى من لا تطلب الجزاء منه، ومنه قوله: * (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك) * (ص: 39) وقوله: * (ولا تمنن تستكثر) * والمنان في صفة الله تعالى: المعطي ابتداء من غير أن يطلب منه عوضا وقوله: * (لقد من الله على المؤمنين) * أي أنعم عليهم وأحسن إليهم ببعثه هذا الرسول.
المسألة الثانية: أن بعثة الرسول إحسان إلى كل العالمين، وذلك لأن وجه الاحسان في بعثته كونه داعيا لهم إلى ما يخلصهم من عقاب الله ويوصلهم إلى ثواب الله، وهذا عام في حق العالمين، لأنه مبعوث إلى كل العالمين، كما قال تعالى: * (وما أرسلناك الا كافة للناس) * (سبأ: 28) إلا أنه لما لم ينتفع بهذا الانعام الا أهل الاسلام، فلهذا التأويل خص تعالى هذه المنة بالمؤمنين، ونظيره قوله تعالى: * (هدى للمتقين) * (البقرة: 2) مع أنه هدى للكل، كما قال: * (هدى للناس) * (البقرة: 185) وقوله: * (إنما أنت منذر من يخشاها) * (النازعات: 45).
المسألة الثالثة: اعلم أن بعثة الرسول إحسان من الله إلى الخلق ثم انه لما كان الانتفاع بالرسول أكثر كان وجه الانعام في بعثة الرسل أكثر، وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانت مشتملة على الأمرين: أحدهما: المنافع الحاصلة من أصل البعثة، والثاني: المنافع الحاصلة بسب ما فيه من الخصال التي ما كانت موجودة في غيره.
أما المنفعة بسبب أصل البعثة فهي التي ذكرها الله تعالى في قوله: * (رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) * (النساء: 165) قال أبو عبد الله الحليمي: وجه الانتفاع ببعثة الرسل ليس إلا في طريق الدين وهو من وجوه: الأول: أن الخلق جبلوا على النقصان وقلة الفهم وعدم الدراية، فهو صلوات الله عليه أورد عليهم وجوه الدلائل ونقحها، وكلما خطر ببالهم شك أو شبهة أزالها وأجاب عنها. والثاني: ان الخلق وان كانوا يعلمون أنه لا بد لهم من خدمة مولاهم، ولكنهم ما كانوا عارفين بكيفية تلك الخدمة، فهو شرح تلك الكيفية لهم حتى يقدموا على الخدمة آمنين من