لما قالوا لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، فهذا يدل على أن أولئك الاخوان كانوا ميتين ومقتولين عند هذا القول، فوجب أن يكون المراد من قوله: * (وقالوا لإخوانهم) * هو أنهم قالوا ذلك لأجل إخوانهم، ولا يكون المراد هو أنهم ذكروا هذا القول مع إخوانهم.
المسألة الثالثة: قوله: * (إخوانهم) * يحتمل أن يكون المراد منه الاخوة في النسب وان كانوا مسلمين، كقوله تعالى: * (وأغلى عاد أخاهم هودا) * (الأعراف: 65) * (والى ثمود أخاهم صالحا) * (الأعراف: 73) فان الاخوة في هذه الآيات أخوة النسب لا أخوة الدين، فلعل أولئك المقتولين من المسلمين كانوا من أقارب المنافقين، فالمنافقون ذكروا هذا الكلام، ويحتمل أن يكون المراد من هذه الأخوة المشاكلة في الدين، واتفق إلى أن صار بعض المنافقين مقتولا في بعض الغزوات فالذين بقوا من المنافقين قالوا ذلك.
المسألة الرابعة: المنافقون كانوا يظنون أن الخارج منهم لسفر بعيد، وهو المراد بقوله: * (إذا ضربوا في الأرض) * والخارج إلى الغزو، وهو المراد بقوله: * (أو كانوا غزى) * إذا نالهم موت أو قتل فذلك إنما نالهم بسبب السفر والغزو، وجعلوا ذلك سببا لتنفير الناس عن الجهاد، وذلك لأن في الطباع محبة الحياة وكراهية الموت والقتل، فإذا قيل للمرء: ان تحرزت من السفر والجهاد فأنت سليم طيب العيش، وان تقحمت أحدهما وصلت إلى الموت أو القتل، فالغالب أنه ينفر طبعه عن ذلك ويرغب في ملازمة البيت، وكان ذلك من مكايد المنافقين في تنفير المؤمنين عن الجهاد.
فان قيل: فلماذا ذكر بعض الضرب في الأرض الغزو وهو داخل فيه؟
قلنا: لأن الضرب في الأرض يراد به الابعاد في السفر، لا ما يقرب منه، وفي الغزو لا فرق بين بعيده وقريبه، إذ الخارج من المدينة إلى جبل أحد لا يوصف بأنه ضارب في الأرض مع قرب المسافة وان كان غازيا، فهذا فائدة إفراد الغزو عن الضرب في الأرض.
المسألة الخامسة: في الآية إشكال وهو أن قوله: * (وقالوا لإخوانهم) * يدل على الماضي، وقوله: * (إذا ضربوا) * يدل على المستقبل فكيف الجمع بينهما؟ بل لو قال: وقالوا لإخوانهم إذ ضربوا في الأرض، أي حين ضربوا لم يكن فيه إشكال.
والجواب عنه من وجوه: الأول: أن قوله: * (قالوا) * تقديره: يقولون فكأنه قيل: لا تكونوا كالذين كفروا ويقولون لإخوانهم كذا وكذا، وإنما عبر عن المستقبل بلفظ الماضي لفائدتين: أحدهما: أن الشيء الذي يكون لازم الحصول في المستقبل فقد يعبر عنه بأنه حدث أو هو حادث قال تعالى: * (أتى أمر الله) * وقال: * (إنك ميت) * (الزمر: 30) فهنا لو وقع التعبير عنه بلفظ المستقل لم يكن فيه مبالغة أما لما وقع التعبير عنه بلفظ الماضي، دل ذلك على أن جدهم واجتهادهم في تقرير الشبهة قد بلغ