فكان قتله مثل موته في أنه لا يحصل الا في الوقت المقدر المعين، فكما أنه لو مات في داره لم يدل ذلك على فساد دينه، فكذا إذا قتل وجب أن لا يؤثر ذلك في فساد دينه، والمقصود منه ابطال قول المنافقين لضعفة المسلمين انه لما قتل محمد فارجعوا إلى ما كنتم عليه من الأديان. الثاني: أن يكون المراد تحريض المسلمين على الجهاد باعلامهم أن الحذر لا يدفع القدر، وان أحدا لا يموت قبل الأجل وإذا جاء الأجل لا يندفع الموت بشيء، فلا فائدة في الجبن والخوف. والثالث: أن يكون المراد حفظ الله للرسول صلى الله عليه وسلم وتخليصه من تلك المعركة المخوفة، فان تلك الواقعة ما بقي سبب من أسباب الهلاك إلا وقد حصل فيها، ولكن لما كان الله تعالى حافظا وناصرا ما ضره شيء من ذلك وفيه تنبيه على أن أصحابه قصروا في الذب عنه. والرابع: وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله، فليس في ارجاف من أرجف بموت النبي صلى الله عليه وسلم ما يحقق ذلك فيه أو يعين في تقوية الكفر، بل يبقيه الله إلى أن يظهر على الدين كله. الخامس: أن المقصود منه الجواب عما قاله المنافقون، فان الصحابة لما رجعوا وقد قتل منهم من قتل قالوا: لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، فأخبر الله تعالى ان الموت والقتل كلاهما لا يكونان الا بإذن الله وحضور الأجل والله أعلم بالصواب. المسألة الثانية: أخلفوا في تفسير الاذن على أقوال: الأول: أن يكون الاذن هو الامر وهو قول أبي مسلم، والمعنى ان الله تعالى يأمر ملك الموت بقبض الأرواح فلا يموت أحد إلا بهذا الامر. الثاني: ان المراد من هذا الاذن ما هو المراد بقوله: * (انما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) * (النحل: 40) والمراد من هذا الأمر انما هو التكوين والتخليق والايجاد، لأنه لا يقدر على الموت والحياة أحد الا الله تعالى، فاذن المراد: أن نفسا لن تموت الا بما أماتها الله تعالى. الثالث: أن يكون الاذن هو التخلية والاطلاق وترك المنع بالقهر والاجبار، وبه فسر قوله تعالى: * (وما هم بضارين به من أحد الا بإذن الله) * (البقرة: 102) أي بتخليته فإنه تعالى قادر على المنع من ذلك بالقهر، فيكون المعنى: ما كان لنفس أن تموت الا بإذن الله بتخلي الله بين القاتل والمقتول، ولكنه تعالى يحفظ نبيه ويجعل من بين يديه ومن خلفه رصدا ليتم على يديه بلاغ ما أرسله به، ولا يخلي بين أحد وبين قتله حتى ينتهي إلى الاجل الذي كتبه الله له، فلا تنكسروا بعد ذلك في غزواتكم بأن يرجف مرجف أن محمدا قد قتل. الرابع: أن يكون الاذن بمعنى العلم ومعناه أن نفسا لن تموت إلا في الوقت الذي علم الله موتها فيه، وإذا جاء ذلك الوقت لزم الموت، كما قال * (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) * (النحل: 61) الخامس: قال ابن عباس: الاذن هو قضاء الله وقدره، فإنه لا يحدث شيء إلا بمشيئته وارادته فيجعل ذلك على سبيل التمثيل، كأنه فعل لا ينبغي لأحد أن يقدم عليه إلا بإذن الله.
(٢٣)