دين فيجب اخراجه بهذه الآية، وإنما قلنا إنه دين، لأن اللغة تدل عليه، والشرع أيضا يدل عليه، أما اللغة فهو أن الدين عبارة عن الأمر الموجب للانقياد، قيل في الدعوات المشهورة؛ يا من دانت له الرقاب، أي انقادت، وأما الشرع فلأنه روي أن الخثعمية لما سألت الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحج الذي كان على أبيها، فقال عليه الصلاة والسلام: " أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان يجزئ؟ فقالت نعم، فقال عليه الصلاة والسلام فدين الله أحق أن يقضي " إذا ثبت أنه دين وجب تقديمه على الميراث لقوله تعالى: * (من بعد وصية يوصى بها أو دين) * قال أبو بكر الرازي: المذكور في الآية الدين المطلق، والنبي صلى الله عليه وسلم سمى الحج دينا لله، والاسم المطلق لا يتناول المقيد.
قلنا: هذا في غاية الركاكة لأنه لما ثبت أن هذا دين، وثبت بحكم الآية أن الدين مقدم على الميراث لزم المقصود لا محالة، وحديث الاطلاق والتقييد كلام مهمل لا يقدح في هذا المطلوب والله أعلم.
المسألة الثالثة: اعلم أن قوله تعالى: * (غير مضار) * نصب على الحال، أي يوصى بها وهو غير مضار لورثته.
واعلم أن الضرار في الوصية يقع على وجوه: أحدها: أن يوصي بأكثر من الثلث. وثانيها: أن يقر بكل ماله أو ببعضه لأجنبي. وثالثها: أن يقر على نفسه بدين لا حقيقة له دفعا للميراث عن الورثة. ورابعها: أن يقر بأن الدين الذي كان له على غيره قد استوفاه ووصل إليه. وخامسها: أن يبيع شيئا بثمن بخمس أو يشتري شيئا بثمن غال، كل ذلك لغرض أن لا يصل المال إلى الورثة. وسادسها: أن يوصي بالثلث لا لوجه الله لكن لغرض تنقيص حقوق الورثة، فهذا هو وجه الاضرار في الوصية.
واعلم أن العلماء قالوا: الأولى أن يوصى بأقل من الثلث، قال علي: لأن أوصي بالخمس أحب إلى من الربع. ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث. وقال النخعي: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوص، وقبض أبو بكر فوصى، فان أوصى الانسان فحسن، وإن لم يوص فحسن أيضا.
واعلم أن لأولى بالانسان أن ينظر في قدر ما يخلف ومن يخلف، ثم يجعل وصيته بحسب ذلك فان كان ماله قليلا وفي الورثة كثرة لم يوص، وإن كان في المال كثرة أوصى بحسب المال وبحسب حاجتهم بعده في القلة والكثرة والله أعلم.
المسألة الرابعة: روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: الاضرار في الوصية من الكبائر. واعلم أنه يدل على ذلك القرآن والسنة والمعقول، أما القرآن فقوله تعالى: * (تلك حدود الله ومن