في آخر السورة: * (قل الله يفتيكم في الكلالة) * (النساء: 176) فأثبت للأختين الثلثين، وللأخوة كل المال، وههنا أثبت للاخوة والأخوات الثلث، فوجب أن يكون المراد من الاخوة والأخوات ههنا غير الاخوة والأخوات في تلك الآية، فالمراد ههنا الاخوة والأخوات من الأم فقط، وهناك الاخوة والأخوات من الأب والأم، أو من الأب.
ثم قال تعالى: * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) * (النساء: 11) وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن ظاهر هذه الآية يقتضي جواز الوصية بكل المال وبأي بعض أريد، ومما يوافق هذه الآية من الأحاديث ما روى نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما حق امرئ مسلم له مال يوصى به ثم تمضي عليه ليلتان إلا ووصيته مكتوبة عنده " فهذا الحديث أيضا يدل على الاطلاق في الوصية كيف أريد، إلا أنا نقول: هذه العمومات مخصوصة من وجهين: الأول: في قدر الوصية، فإنه لا يجوز الوصية بكل المال بدلالة القرآن والسنة، أما القرآن فالآيات الدالة على الميراث مجملا ومفصلا، أما المجمل فقوله تعالى: * (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون) * (النساء: 7) ومعلوم أن الوصية بكل المال تقتضي نسخ هذا النص، وأما المفصل فهي آيات المواريث كقوله: * (للذكر مثل حظ الأنثيين) * (النساء: 11) ويدل عليه أيضا قوله تعالى: * (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم) * (النساء: 9) وأما السنة فهي الحديث المشهور في هذا الباب، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: " الثلث والثلث كثير إنك ان تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ".
واعلم أن هذا الحديث يدل على أحكام: أحدها: أن الوصية غير جائزة في أكثر من الثلث، وثانيها: أن الأولى النقصان عن الثلث لقوله: " والثلث كثير " وثالثها: أنه إذا ترك القليل من المال وورثته فقراء فالأفضل له أن لا يوصي بشيء لقوله عليه الصلاة والسلام: " ان تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " ورابعها: فيه دلالة على جواز الوصية بجميع المال إذا لم يكن له وارث لأن المنع منه لأجل الورثة، فعند عدمهم وجب الجواز.
الوجه الثاني: تخصيص عموم هذه الآية في الموصى له، وذلك لأنه لا يجوز الوصية لوارث، قال عليه الصلاة والسلام: " ألا لا وصية لوارث ".
المسألة الثانية: قال الشافعي رحمة الله عليه: إذا أخر الزكاة والحج حتى مات يجب إخراجهما من التركة، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يجب، حجة الشافعي: أن الزكاة الواجبة والحج الواجب