كان قد قتل فقد بلغ، قاتلوا على دينكم، ولما شج ذلك الكافر وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وكسر رباعيته، احتمله طلحة بن عبيد الله، ودافع عنه أبو بكر وعلي رضي الله عنهم ونفر آخرون معهم، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل ينادي ويقول: إلى عباد الله حتى انحازت إليه طائفة من أصحابه فلامهم على هزيمتهم، فقالوا يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا، أتانا خبر قتلك فاستولى الرعب على قلوبنا فولينا مدبرين، ومعنى الآية * (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل) * فسيخلو كما خلوا، وكما أن أتباعهم بقوا متمسكين بدينهم بعد خلوهم، فعليكم أن تتمسكوا بدينه بعد خلوه، لأن الغرض من بعثة الرسل تبليغ الرسالة والزام الحجة، لا وجودهم بين أظهر قومهم أبدا.
المسألة الثانية: قال أبو علي: الرسول جاء على ضربين: أحدهما: يراد به المرسل، والآخر الرسالة، وههنا المراد به المرسل بدليل قوله: * (إنك لمن المرسلين) * (البقرة: 252) وقوله: * (يا أيها الرسول بلغ) * (المائدة: 67) وفعول قد يراد به المفعول، كالركوب والحلوب لما يركب ويحلب والرسول بمعنى الرسالة كقوله: لقد كذب الواشون ما فهت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول أي برسالة، قال: ومن هذا قوله تعالى: * (انا رسولا ربك) * ونذكره في موضعه إن شاء الله تعالى ثم قال: * (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: حرف الاستفهام دخل على الشرط وهو في الحقيقة داخل على الجزاء، والمعنى أتنقلبون على أعقابكم ان مات محمد أو قتل، ونظيره قوله: هل زيد قائم، فأنت أنما تستخبر عن قيامه، الا انك أدخلت هل على الاسم والله أعلم.
المسألة الثانية: أنه تعالى بين في آيات كثيرة انه عليه السلام لا يقتل قال: * (انك ميت وإنهم ميتون) * (الزمر: 30) وقال: * (والله يعصمك من الناس) * (المائدة: 67) وقال: * (ليظهره على الدين كله) * (الصف: 9) فليس لقائل أن يقول: لما علم أنه لا يقتل فلم قال أو قتل؟ فان الجواب عنه من وجوه: الأول: أن صدق القضية الشرطية لا يقتضي صدق جزأيها، فإنك تقول: ان كانت الخمسة زوجا كانت منقسمة بمتساويين، فالشرطية صادقة وجزآها كاذبان، وقال تعالى: * (لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا) * (الأنبياء: 22) فهذا حق مع أنه ليس فيهما آلهة، وليس فيهما فساد، فكذا ههنا. والثاني: ان هذا ورد على سبيل الالزام، فان موسى عليه السلام مات ولم ترجع أمته عن ذلك، والنصارى زعموا أن عيسى عليه السلام قتل وهم لا يرجعون عن دينه، فكذا ههنا، والثالث: ان الموت لا يوجب رجوع الأمة عن دينه، فكذا القتل وجب أن لا يوجب الرجوع عن دينه، لأنه فارق بين الأمرين، فلما رجع إلى هذا المعنى كان المقصود منه الرد على أولئك الذين شكوا في صحة الدين وهموا بالارتداد.