هذه الأشياء كان المراد من قوله: * (أتمهن) * أنه سبحانه علم من حاله أنه يتمهن ويقوم بهن بعد النبوة فلا جرم أعطاه خلعة الإمامة والنبوة.
المسألة السابعة: الضمير المستكن في * (فأتمهن) * في إحدى القراءتين لإبراهيم بمعنى فقام بهن حق القيام، وأداهن أحسن التأدية، من غير تفريط وتوان. ونحوه: * (وإبراهيم الذي وفى) * وفي الأخرى لله تعالى بمعنى: فأعطاه ما طلبه لم ينقص منه شيئا.
أما قوله تعالى: * (إني جاعلك للناس إماما) * فالإمام اسم من يؤتم به كالإزار لما يؤتزر به، أي يأتمون بك في دينك. وفيه مسائل: المسألة الأولى: قال أهل التحقيق: المراد من الإمام ههنا النبي ويدل عليه وجوه. أحدها: أن قوله: * (للناس إماما) * يدل على أنه تعالى جعله إماما لكل الناس والذي يكون كذلك لا بد وأن يكون رسولا من عند الله مستقلا بالشرع لأنه لو كان تبعا لرسول آخر لكان مأموما لذلك الرسول لا إماما له، فحينئذ يبطل العموم. وثانيها: أن اللفظ يدل على أنه إمام في كل شيء والذي يكون كذلك لا بد وأن يكون نبيا. وثالثها: أن الأنبياء عليهم السلام أئمة من حيث يجب على الخلق اتباعهم، قال الله تعالى: * (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) * (الأنبياء: 73) والخلفاء أيضا أئمة لأنهم رتبوا في المحل الذي يجب على الناس اتباعهم وقبول قولهم وأحكامهم والقضاة والفقهاء أيضا أئمة لهذا المعنى، والذي يصلي بالناس يسمى أيضا إماما لأن من دخل في صلاته لزمه الائتمام به. قال عليه الصلاة والسلام: " إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا ولا تختلفوا على إمامكم " فثبت بهذا أن اسم الإمام لمن استحق الاقتداء به في الدين وقد يسمى بذلك أيضا من يؤتم به في الباطل، قال الله تعالى: * (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار) * (القصص: 41) إلا أن اسم الإمام لا يتناوله على الإطلاق بل لا يستعمل فيه إلا مقيدا، فإنه لما ذكر أئمة الضلال قيده بقوله تعالى: * (يدعون إلى النار) * كما أن اسم الإله لا يتناول إلا المعبود الحق، فأما المعبود الباطل فإنما يطلق عليه اسم الإله مع القيد، قال الله تعالى: * (فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء) * (هود: 101) وقال: * (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا) * (طه: 97) إذا ثبت أن اسم الإمام يتناول ما ذكرناه، وثبت أن الأنبياء في أعلى مراتب الإمامة وجب حمل اللفظ ههنا عليه، لأن الله تعالى ذكر لفظ الإمام ههنا في معرض الامتنان، فلا بد وأن تكون تلك النعمة من أعظم النعم ليحسن نسبة الامتنان فوجب حمل هذه الإمامة على النبوة.
المسألة الثانية: أن الله تعالى لما وعده بأن يجعله إماما للناس حقق الله تعالى ذلك الوعد