عظيما) * (الأحزاب: 53) ثم إنا إن قلنا الامتحان وقع بنفس القبلة، قلنا: إن تركها ثقيل عليهم، لأن ذلك يقتضي ترك الألف والعادة، والإعراض عن طريقة الآباء والأسلاف وإن قلنا: الامتحان وقع بتحريف القبلة قلنا: إنها لثقيلة من حيث أن الإنسان لا يمكنه أن يعرف أن ذلك حق إلا بعد أن عرف مسألة النسخ وتخلص عما فيها من السؤالات، وذلك أمر ثقيل صعب إلا على من هداه الله تعالى حتى عرف أنه لا يستنكر نقل القبلة من جهة إلى جهة كما لا يستنكر نقلة إياهم من حال إلى حال في الصحة والسقم والغنى والفقر، فمن اهتدى لهذا النظر ازداد بصره، ومن سفه واتبع الهوى وظواهر الأمور ثقلت عليه هذه المسألة.
أما قوله: * (إلا على الذين هدى الله) * فاحتج الأصحاب بهذه الآية في مسألة خلق الأعمال فقالوا: المراد من الهداية إما الدعوة أو وضع الدلالة أو خلق المعرفة، والوجهان الأولان ههنا باطلان، وذلك لأنه تعالى حكم بكونها ثقيلة على الكل إلا على الذين هدى الله فوجب أن يقال: إن الذي هداه الله لا يثقل ذلك عليه، والهداية بمعنى الدعوة، ووضع الدلائل عامة في حق الكل، فوجب أن لا يثقل ذلك على أحد من الكفار، فلما ثقل عليهم علمنا أن المراد من الهداية ههنا خلق المعرفة والعلم وهو المطلوب، قالت المعتزلة: الجواب عنه من ثلاثة أوجه، أحدها: أن الله تعالى ذكرهم على طريق المدح فخصهم بذلك. وثانيها: أراد به الاهتداء. وثالثها: أنهم الذين انتفعوا بهدى الله فغيرهم كأنه لم يعتد بهم.
والجواب عن الكل: أنه ترك للظاهر فيكون على خلاف الأصل والله أعلم.
أما قوله تعالى: * (وما كان الله ليضيع إيمانكم) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: أن رجالا من المسلمين كأبي أمامة، وسعد بن زرارة، والبراء بن عازب، والبراء بن معرور، وغيرهم ماتوا على القبلة الأولى فقال عشائرهم: يا رسول الله توفى إخواننا على القبلة الأولى فكيف حالهم؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
واعلم أنه لا بد من هذا السبب، وإلا لم يتصل بعض الكلام ببعض، ووجه تقرير الإشكال أن الذين لم يجوزوا النسخ إلا مع البداء يقولون: إنه لما تغير الحكم وجب أن يكون الحكم مفسدة وباطلا فوقع في قلبهم بناء على هذا السؤال أن تلك الصلوات التي أتوا بها متوجهين إلى بيت المقدس كانت ضائعة، ثم إن الله تعالى أجاب عن هذا الإشكال وبين أن النسخ نقل من مصلحة إلى مصلحة ومن تكليف إلى تكليف، والأول كالثاني في أن القائم به متمسك بالدين، وأن من هذا