" عليكم بالنمط الأوسط " وأما الشعر فقول زهير:
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم * إذا نزلت إحدى الليالي العظائم وأما النقل فقال الجوهري في " الصحاح ": * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) * أي عدلا وهو الذي قاله الأخفش والخليل وقطرب، وأما المعنى فمن وجوه. أحدها: أن الوسط حقيقة في البعد عن الطرفين ولا شك أن طرفي الإفراط والتفريط رديئان فالمتوسط في الأخلاق يكون بعيدا عن الطرفين فكان معتدلا فاضلا. وثانيها: إنما سمي العدل وسطا لأنه لا يميل إلى أحد الخصمين، والعدل هو المعتدل الذي لا يميل إلى أحد الطرفين. وثالثها: لا شك أن المراد بقوله: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) * طريقة المدح لهم لأنه لا يجوز أن يذكر الله تعالى وصفا ويجعله كالعلة في أن جعلهم شهودا له ثم يعطف على ذلك شهادة الرسول إلا وذلك مدح فثبت أن المراد بقوله: (وسطا) ما يتعلق بالمدح في باب الدين، ولا يجوز أن يمدح الله الشهود حال حكمه عليهم بكونهم شهودا إلا بكونهم عدولا، فوجب أن يكون المراد في الوسط العدالة. ورابعها: أن أعدل بقاع الشيء وسطه، لأن حكمه مع سائر أطرافه على سواء وعلى اعتدال، والأطراف يتسارع إليها الخلل والفساد والأوسط محمية محوطة فلما صح ذلك في الوسط صار كأنه عبارة عن المعتدل الذي لا يميل إلى جهة دون جهة.
القول الثاني: أن الوسط من كل شيء خياره قالوا: وهذا التفسير أولى من الأول لوجوه: الأول: أن لفظ الوسط يستعمل في الجمادات قال صاحب " الكشاف ": اكتريت جملا من أعرابي بمكة للحج فقال: أعطى من سطا تهنة أراد من خيار الدنانير ووصف العدالة لا يوجد في الجمادات فكان هذا التفسير أولى. الثاني: أنه مطابق لقوله تعالى: * (كنتم خير أمة أخرجت للناس) * (آل عمران: 110).
القول الثالث: أن الرجل إذا قال: فلان أوسطنا نسبا فالمعنى أنه أكثر فضلا وهذا وسط فيهم كواسطة القلادة، وأصل هذا أن الاتباع يحوشون الرئيس فهو في وسطهم وهم حوله فقيل وسط لهذا المعنى.
القول الرابع: يجوز أن يكونوا وسطا على معنى أنهم متوسطون في الدين بين المفرط والمفرط والغالي والمقصر في الأشياء لأنهم لم يغلوا كما غلت النصارى فجعلوا ابنا وإلها ولا قصروا كتقصير اليهود في قتل الأنبياء وتبديل الكتب وغير ذلك مما قصروا فيه.
واعلم أن هذه الأقوال متقاربة غير متنافية والله أعلم.
المسألة الثالثة: احتج الأصحاب بهذه الآية على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى لأن هذه