للناس وابتلاء. الثاني: يجوز أن يكون قوله: * (التي كنت عليها) * لسانا للحكمة في جعل بيت المقدس قبلة يعني إن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة وأن استقبالك بيت المقدس كان أمرا عارضا لغرض وإنما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها قبل وقتك هذا، وهي بيت المقدس، لنمتحن الناس وننظر من يتبع الرسول ومن لا يتبعه وينفر عنه. وههنا وجه ثالث ذكره أبو مسلم فقال: لولا الروايات لم تدل الآية على قبلة من قبل الرسول عليه الصلاة والسلام عليها، لأنه قد يقال: كنت بمعنى صرت كقوله تعالى: * (كنتم خير أمة) * (آل عمران: 110) وقد يقال: كان في معنى لم يزل كقوله تعالى: * (وكان الله عزيزا حكيما) * (النساء: 158) فلا يمتنع أن يراد بقوله: * (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها) * أي التي لم تزل عليها وهي الكعبة إلا كذا وكذا.
أما قوله: * (إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: اللام في قوله: * (إلا لنعلم) * لام الغرض والكلام في أنه هل يصح الغرض على الله أو لا يصح وبتقدير أن لا يصح فكيف تأويل هذا الكلام فقد تقدم.
المسألة الثانية: وما جعلنا كذا وكذا إلا لنعلم كذا يوهم أن العلم بذلك الشيء لم يكن حاصلا فهو فعل ذلك الفعل ليحصل له ذلك العلم وهذا يقتضي أن الله تعالى لم يعلم تلك الأشياء قبل وقوعها، ونظيره في الإشكال قوله: * (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) * (محمد: 31) وقوله: * (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا) * (الأنفال: 66) وقوله: * (لعله يتذكر أو يخشى) * (طه: 44) وقوله: * (فليعلمن الله الذين صدقوا) * (العنكبوت: 3) وقوله: * (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) * (آل عمران: 142) وقوله: * (وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة) * (سبأ: 21) والكلام في هذه المسألة أمر مستقصى في قوله: * (وإذ ابتلى) * والمفسرون أجابوا عنه من وجوه. أحدها: أن قوله: * (إلا لنعلم) * معناه إلا ليعلم حزبنا من النبيين والمؤمنين كما يقول الملك: فتحنا البلدة الفلانية بمعنى: فتحها أولياؤنا، ومنه يقال: فتح عمر السواد، ومنه قول عليه الصلاة والسلام فيما يحكيه عن ربه: " استقرضت عبدي فلم يقرضني، وشتمني ولم يكن ينبغي له أن يشتمني يقول وا دهراه وأنا الدهر " وفي الحديث: " من أهان لي وليا فقد أهانني ". وثانيها: معناه ليحصل المعدوم فيصير موجودا، فقوله: * (إلا لنعلم) * معناه: إلا لنعلمه موجودا، فإن قيل: فهذا يقتضي حدوث العلم، قلنا: اختلفوا في أن العلم بأن الشيء سيوجد هل هو علم بوجوده إذا وجد الخلاف فيه مشهور. وثالثها: إلا لنميز هؤلاء من هؤلاء بانكشاف ما في قلوبهم من الإخلاص والنفاق، فيعلم المؤمنون من يوالون منهم ومن يعادون، فسمي التمييز علما، لأنه أحد فوائد العلم وثمراته. ورابعها: * (إلا لنعلم) *