دعاءه؟ وإن لم يأذن له فيه كان ذلك ذنبا، قلنا: قوله: * (ومن ذريتي) * يدل على أنه عليه السلام طلب أن يكون بعض ذريته أئمة للناس، وقد حقق الله تعالى إجابة دعائه في المؤمنين من ذريته كإسماعيل وإسحق ويعقوب ويوسف وموسى وهارون وداود وسليمان وأيوب ويونس وزكريا ويحيى وعيسى وجعل آخرهم محمدا صلى الله عليه وسلم من ذريته الذي هو أفضل الأنبياء والأئمة عليهم السلام.
أما قوله تعالى: * (قال لا ينال عهدي الظالمين) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة وحفص عن عاصم: * (عهدي) * بإسكان الياء، والباقون بفتحها، وقرأ بعضهم: * (لا ينال عهدي الظالمون) * أي من كان ظالما من ذريتك فإنه لا ينال عهدي.
المسألة الثانية: ذكروا في العهد وجوها. أحدها: أن هذا العهد هو الإمامة المذكورة فيما قبل، فإن كان المراد من تلك الإمامة هو النبوة فكذا وإلا فلا. وثانيها: * (عهدي) * أي رحمتي عن عطاء. وثالثها: طاعتي عن الضحاك. ورابعها: أماني عن أبي عبيد، والقول الأول أولى لأن قوله: * (ومن ذريتي) * طلب لتلك الإمامة التي وعده بها بقوله: * (إني جاعلك للناس إماما) * فقوله: * (لا ينال عهدي الظالمين) * لا يكون جوابا عن ذلك السؤال إلا إذا كان المراد بهذا العهد تلك الإمامة.
المسألة الثالثة: الآية دالة على أنه تعالى سيعطي بعض ولده ما سأل، ولولا ذلك لكان الجواب: لا، أو يقول: لا ينال عهدي ذريتك، فإن قيل: أفما كان إبراهيم عليه السلام عالما بأن النبوة لا تليق بالظالمين، قلنا: بلى، ولكن لم يعلم حال ذريته، فبين الله تعالى أن فيهم من هذا حاله وأن النبوة إنما تحصل لمن ليس بظالم.
المسألة الرابعة: الروافض احتجوا بهذه الآية على القدح في إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من ثلاثة أوجه. الأول: أن أبا بكر وعمر كانا كافرين، فقد كانا حال كفرهما ظالمين، فوجب أن يصدق عليهما في تلك الحالة أنهما لا ينالان عهد الإمامة البتة، وإذا صدق عليهما في ذلك الوقت أنهما لا ينالان عهد الإمامة البتة ولا في شيء من الأوقات ثبت أنهما لا يصلحان للإمامة. الثاني: أن من كان مذنبا في الباطن كان من الظالمين، فإذن ما لم يعرف أن أبا بكر وعمر ما كانا من الظالمين المذنبين ظاهرا وباطنا وجب أن لا يحكم بإمامتهما وذلك إنما يثبت في حق من تثبت عصمته ولما لم يكونا معصومين بالاتفاق وجب أن لا تتحقق إمامتهما البتة. الثالث: قالوا: كانا مشركين، وكل مشرك ظالم والظالم لا يناله عهد الإمامة فيلزم أن لا ينالهما عهد الإمامة، أما