في ذلك قريبة من المتواتر، ولأبي مسلم رحمه الله أن يمنع التواتر، وعند ذلك يقول: لا يصح التعويل في القطع بوقوع النسخ في شرعنا على خبر الواحد والله أعلم.
* (كمآ أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) * اعلم أنا قد بينا أن الله تعالى استدل على صحة دين محمد عليه الصلاة والسلام بوجوه، بعضها إلزامية، وهو أن هذا الدين دين إبراهيم فوجب قبوله، وهو المراد بقوله: * (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه) * (البقرة: 130) وبعضها برهانية وقوله: * (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط) * (البقرة: 136) ثم إنه سبحانه وتعالى عقب هذا الاستدلال بحكاية شبهتين لهم. إحداهما: قوله: * (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا) * (البقرة: 135). والثانية: استدلالهم بإنكار النسخ على القدح في هذه الشريعة، وهو قول: * (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها) * (البقرة: 142) وأطنب الله تعالى في الجواب عن الشبهة وبالحق فعل ذلك، لأن أعظم الشبهة لليهود في إنكار نبوة محمد عليه الصلاة والسلام النسخ، فلا جرم أطنب الله تعالى في الجواب عن هذه الشبهة، وختم ذلك الجواب بقوله: * (ولأتم نعمتي عليكم) * فصار هذا الكلام مع ما فيه من الجواب عن الشبهة تنبيها على عظيم نعم الله تعالى، ولا شك أن ذلك أشد استمالة لحصول العز والشرف في الدنيا، والتخلص في الذل والمهانة يكون مرغوبا فيه، وعند اجتماع الأمرين فقد بلغ النهاية في هذا الباب.
أما قوله: * (كما أرسلنا) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: هذا الكاف إما أن يتعلق بما قبله أو بما بعده، فإن قلنا: إنه متعلق بما قبله ففيه وجوه. الأول: أنه راجع إلى قوله: * (ولأتم نعمتي عليكم) * (البقرة: 150) أي ولأتم نعمتي عليكم في الدنيا بحصول الشرف، وفي الآخرة بالفوز بالثواب، كما أتممتها عليكم في الدنيا بإرسال الرسول. الثاني: أن إبراهيم عليه السلام قال: * (ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويزكيهم) * (البقرة: 129) وقال أيضا: