الذهول عن كون العبد موجدا له، والمعقول غير المغفول عنه، ثم تلك الموجدية حادثة، فإن كان حدوثها بالعبد لزم افتقارها إلى موجدية أخرى، ولزم التسلسل وهو محال، وإن كان الله تعالى والأثر واجب الحصول عند حصول الموجدية فيلزم استناد الفعل إلى الله تعالى، ولا يلزمنا ذلك في موجدية الله تعالى لأنه قديم، فكانت موجديته قديمة، فلا يلزم افتقار تلك الموجودية إلى موجودية أخرى.
هذا ملخص الكلام من الجانبين والمنازعات بين الفريقين في الألفاظ والمعاني كثيرة والله الهادي.
* (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) * اعلم أنه تعالى لما بين الدلائل التي تقدمت صحة دين الإسلام حكى بعدها أنواعا من شبه المخالفين الطاعنين في الإسلام.
الشبهة الأولى: حكى عنهم أنهم قالوا: * (كونوا هودا أو نصارى تهتدوا) * ولم يذكروا في تقرير ذلك شبهة، بل أصروا على التقليد، فأجابهم الله تعالى عن هذه الشبهة من وجوه. الأول: ذكر جوابا إلزاميا وهو قوله: * (قل بل ملة إبراهيم حنيفا) * وتقرير هذا الجواب أنه إن كان طريق الدين التقليد فالأولى في ذلك اتباع ملة إبراهيم، لأن هؤلاء المختلفين قد اتفقوا على صحة دين إبراهيم والأخذ بالمتفق أولى من الأخذ بالمختلف إن كان المعول في الدين على التقليد، فكأنه سبحانه قال: إن كان المعول في الدين على الاستدلال والنظر، فقد قدمنا الدلائل، وإن كان المعول على التقليد فالرجوع إلى دين إبراهيم عليه السلام وترك اليهودية والنصرانية أولى.
فإن قيل: أليس أن كل واحد من اليهود والنصارى يدعي أنه على دين إبراهيم عليه السلام.
قلنا: لما ثبت أن إبراهيم كان قائلا بالتوحيد، وثبت أن النصارى يقولون بالتثليث، واليهود يقولون بالتشبيه، فثبت أنهم ليسوا على دين إبراهيم عليه السلام، وأن محمدا عليه السلام لما دعا إلى التوحيد، كان هو على دين إبراهيم.
ولنرجع إلى تفسير الألفاظ: أما قوله: * (وقالوا كونوا هودا أو نصارى) * فلا يجوز أن يكون