الجهة أو لا يتحرك في ذلك الوقت بمقتضى حركة نفسه، فإن كان الأول لزم كون الشيء الواحد دفعة واحدة متحركا إلى جهتين، والحركة إلى جهتين تقتضي الحصول في الجهتين دفعة وذلك محال، وإن كان القسم الثاني لزم انقطاع الحركات الفلكية، وهم لا يرضون بذلك. الثاني: أن نهاية الحركة حاصلة للفلك الأعظم، ونهاية السكون حاصلة للأرض، والأقرب إلى العقول أن يقال: كل ما كان أقرب من الفلك الأعظم كان أسرع حركة، وكل ما كان أبعد كان أبطأ حركة، ففلك الثوابت أقرب الأفلاك إليه، فلا جرم لا تفاوت بين الحركتين إلا بقدر قليل، وهو الذي يحصل من اجتماع مقادير التفاوت في كل مائة سنة درجة واحدة، ويليه فلك زحل فإنه أبطأ من فلك الثوابت فلا جرم كان تخلفه عن الفلك الأعظم أكثر حتى إن مقادير التفاوت إذا اجتمعت بلغت في كل ثلاثين سنة إلى تمام الدور، وعلى هذا القول كل ما كان أبعد عن الفلك الأعظم كان أبطأ حركة، فكان تفاوته أكثر حتى يبلغ إلى فلك القمر الذي هو أبطأ الأفلاك حركة، فهو في كل يوم يتخلف عن الفلك الأعظم ثلاث عشرة درجة، فلا جرم يتمم دوره في كل شهر، ولا يزال كذلك حتى ينتهي إلى الأرض التي هي أبعد الأشياء عن الفلك، فلا جرم كانت في نهاية السكون، فثبت أن كلامهم في هذه الأصول مختل ضعيف والعقل لا سبيل له إلى الوصول إليها.
الفصل الثاني في معرفة الأفلاك القوم وضعوا لأنفسهم مقدمتين ظنيتين. أحداهما: أن حركات الأجرام السماوية متساوية متصلة، وأنها لا تبطئ مرة وتسرع أخرى، وليس لها رجوع عن متوجهاتها. والثانية: أن الكواكب لا تتحرك بذاتها بل بتحرك الفلك، ثم إنهم بنوا على هاتين المقدمتين مقدمة أخرى فقالوا: الفلك الذي يحمل الكواكب إما أن يكون مركزه مركز الأرض أو لا يكون، فإن كان مركزه مركز الأرض، فإما أن يكون الكوكب مركوزا في ثخنه أو مركوزا في جرم مركوز في ثخن ذلك الفلك، فإن كان الأول استحال أن يختلف قرب الكوكب وبعده من الأرض، وأن يختلف قطعه للقسى من ذلك الفلك والأعراض الإختلاف في حركة الفلك، أو حركة الكوكب، وقد فرضنا أنهما لا يوجدان البتة، فبقي القسمان الآخران. أحدهما: أن يكون الكوكب