دلالة البرهان كلاما، ومن الناس من قال: هذا الأمر كان بعد النبوة، وقوله: * (أسلم) * ليس المراد منه الإسلام والإيمان بل أمور أخر. أحدها: الانقياد لأوامر الله تعالى، والمسارعة إلى تلقيها بالقبول، وترك الإعراض بالقلب واللسان، وهو المراد من قوله: * (ربنا واجعلنا مسلمين لك) * (البقرة: 128). وثانيها: قال الأصم: (أسلم) أي أخلص عبادتك واجعلها سليمة من الشرك وملاحظة الأغيار. وثالثها: استقم على الإسلام وأثبت على التوحيد كقوله تعالى: * (فاعلم أنه لا إله إلا الله) * (محمد: 19). ورابعها: أن الإيمان صفة القلب والإسلام صفة الجوارح، وأن إبراهيم عليه السلام كان عارفا بالله تعالى بقلبه وكلفه الله تعالى بعد ذلك بعمل الجوارح والأعضاء بقوله: (أسلم).
* (ووصى بهآ إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * اعلم أن هذا هو النوع السادس من الأمور المستحسنة التي حكاها الله عن إبراهيم وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ نافع وابن عامر (وأوصى) بالألف وكذلك هو في مصاحف المدينة والشام والباقون بغير ألف بالتشديد وكذلك هو في مصاحفهم والمعنى واحد إلا أن في (وصى) دليل مبالغة وتكثير.
المسألة الثانية: الضمير في (بها) إلى أي شيء يعود؟ فيه قولان: الأول: أنه عائد إلى قوله: * (أسلمت لرب العالمين) * (البقرة: 131) على تأويل الكلمة والجملة، ونحوه رجوع الضمير في قوله: * (وجعلها كلمة باقية) * (الزخرف: 28) إلى قوله: * (إنني براء مما تعبدون * إلا الذي فطرني) * (الزخرف: 26) وقوله: * (كلمة باقية) * دليل على أن التأنيث على تأويل الكلمة. القول الثاني: أنه عائد إلى الملة في قوله: * (ومن يرغب عن ملة إبراهيم) * (البقرة: 130) قال القاضي وهذا القول أولى من الأول من وجهين. الأول: أن ذلك غير مصرح به ورد الإضمار إلى المصرح بذكره إذا أمكن أولى من رده إلى المدلول والمفهوم. الثاني: أن الملة أجمع من تلك الكلمة ومعلوم أنه ما وصى ولده إلا بما يجمع فيهم الفلاح والفوز بالآخرة، والشهادة وحدها لا تقتضي ذلك.
المسألة الثالثة: اعلم أن هذه الحكاية اشتملت على دقائق مرغبة في قبول الدين. أحدها: أنه