لا يفي بإدراكه الحس البتة، لا يمكن أن يكون في محل التكليف، وإذا كان كذلك كان كل واحد من هؤلاء الصفوف جاهلا بأنه هل هو مستقبل لعين الكعبة أم لا فلو كان استقبال عين الكعبة شرطا لكان حصول هذا الشرط مجهولا للكل، والشك في حصول الشرط يقتضي الشك في حصول المشروط، فوجب أن يبقى كل واحد من أهل هذه الصفوف شاكا في صحة صلاته، وذلك يقتضي أن لا يخرج عن العهدة البتة، وحيث اجتمعت الأمة على أنه ليس كذلك علمنا أن استقبال العين ليس بشرط لا علما ولا ظنا، وهذا كلام بين. الثاني: أنه لو كان استقبال عين الكعبة واجبا ولا سبيل إليه إلا بالدلالة الهندسية، وما لا يتأدى الواجب إلا به فهو واجب، فكان يلزم أن يكون تعلم الدلالة الهندسية واجبا على كل أحد، ولما لم يكن كذلك علمنا أن استقبال عين الكعبة غير واجب فإن قيل: عندنا استقبال عين الجهة واجب ظنا لا يقينا، والمفتقر إلى الدلائل الهندسية هو الاستقبال يقينا لا ظنا، قلنا: لو كان استقبال عين الكعبة واجبا لكان القادر على تحصيل اليقين لا يجوز له الاكتفاء بالظن، والرجل قادر على تحصيل ذلك بواسطة تعلم الدلائل الهندسية فكان يجب عليه تعلم تلك الدلائل، ولما لم يجب ذلك علمنا أن استقبال عين الكعبة واجب. الثالث: لو كان استقبال العين واجبا إما علما أو ظنا، ومعلوم أنه لا سبيل إلى ذلك الظن إلا بنوع من أنواع الإمارات، وما لا يتأدى الواجب إلا به فهو واجب، فكان يلزم أن يكون تعلم تلك الامارات فرض عين على كل واحد من المكلفين، ولما لم يكن كذلك علمنا أن استقبال العين غير واجب.
المسألة الرابعة: في دلائل القبلة: اعلم أن الدلائل إما أرضية وهي الاستدلال بالجبال، والقرى، والأنهار، أو هوائية وهي الاستدلال بالرياح، أو سماوية وهي النجوم.
أما الأرضية والهوائية غير مضبوطة ضبطا كليا، فرب طريق فيه جبل مرتفع لا يعلم أنه على يمين المستقبل أو شماله أو قدامه أو خلفه، فكذلك الرياح قد تدل في بعض البلاد ولسنا نقدر على استقصاء ذلك، إذ كل بلد بحكم آخر في ذلك.
أما السماوية فأدلتها منها تقريبية ومنها تحقيقية، أما التقريبية فقد قالوا: هذه الأدلة إما أن تكون نهارية أو ليلية، أما النهارية فالشمس فلا بد وأن يراعى قبل الخروج من البلد أن الشمس عند الزوال أهي بين الحاجبين، أم هي على العين اليمنى أم اليسرى، أو تميل إلى الجبين ميلا أكثر من ذلك، فإن الشمس لا تعدو في البلاد الشمالية هذه المواقع، وكذلك يراعى موقع الشمس وقت العصر، وأما وقت المغرب فإنما يعرف ذلك بموضع الغروب، وهو أن يعرف بأن الشمس