التي لا نهاية لها على سبيل التفصيل من الأزل إلى الأبد، وقال هشام بن الحكم: إنه كان في الأزل عالما بحقائق الأشياء وماهياتها فقط، فأما حدوث تلك الماهيات ودخولها في الوجود فهو تعالى لا يعلمها إلا عند وقوعها واحتج عليه بالآية والمعقول، أما الآية فهي هذه الآية، قال: إنه تعالى صرح بأنه يبتلي عباده ويختبرهم وذكر نظيره في سائر الآيات كقوله تعالى: * (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) * وقال: * (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) * وقال في هذه السورة بعد ذلك: * (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع) * (البقرة: 155) وذكر أيضا ما يؤكد هذا المذهب نحو قوله: * (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) * (طه: 44) وكلمة * (لعل) * للترجي وقال: * (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) * (البقرة: 21) فهذه الآيات ونظائرها دالة على أنه سبحانه وتعالى لا يعلم وقوع الكائنات قبل وقوعها، أما العقل فدل على وجوه. أحدها: أنه تعالى لو كان عالما بوقوع الأشياء قبل وقوعها لزم نفي القدرة عن الخالق وعن الخلق، وذلك محال فما أدى إليه مثله بيان الملازمة: أن ما علم الله تعالى وقوعه استحال أن لا يقع لأن العلم بوقوع الشيء وبلا وقوع ذلك الشيء متضادان والجمع بين الضدين محال، وكذلك ما علم الله أنه لا يقع كان وقوعه محالا لعين هذه الدلالة، فلو كان الباري تعالى عالما بجميع الأشياء الجزئية قبل وقوعها لكان بعضها واجب الوقوع وبعضها ممتنع الوقوع، ولا قدرة البتة لا على الواجب ولا على الممتنع فيلزم نفي القدرة على هذه الأشياء عن الخالق تعالى وعن الخلق وإنما قلنا: إن ذلك محال أما في حق الخالق فلأنه ثبت أن العالم محدث وله مؤثر وذلك المؤثر يجب أن يكون قادرا إذ لو كان موجبا لذاته لزم من قدمه قدم العالم أو من حدوث العالم حدوثه، وأما في حق الخلق فلأنا نجد من أنفسنا وجدانا ضروريا كوننا متمكنين من الفعل والترك، على معنى أنا إن شئنا الفعل قدرنا عليه، وإن شئنا الترك قدرنا على الترك، فلو كان أحدهما واجبا والآخر ممتنعا لما حصلت هذه المكنة التي يعرف ثبوتها بالضرورة. وثانيها: أن تعلق العلم بأحد المعلومين مغاير لتعلقه بالمعلوم الآخر، ولذلك فإنه يصل منا تعقل أحد التعلقين مع الذهول عن التعلق الآخر، ولو كان التعلقان تعلقا واحدا لاستحال ذلك، لأن الشيء الواحد يستحيل أن يكون معلوما مذهولا عنه، وإذا ثبت هذا فنقول: لو كان تعالى عالما بجميع هذه الجزئيات، لكان له تعالى علوم غير متناهية، أو كان لعلمه تعلقات غير متناهية، وعلى التقديرين فيلزم حصول موجودات غير متناهية دفعة واحدة وذلك محال، لأن مجموع تلك الأشياء أزيد من ذلك المجموع بعينه عند نقصان عشرة منه، فالناقص متناه، والزائد زاد على المتناهي بتلك العشرة، والمتناهي إذا ضم إليه غير المتناهي كان الكل متناهيا، فإذا وجود أمور غير متناهية محال، فإن قيل: الموجود هو العلم،
(٣٨)