فيه إلى قيام الساعة، فإن أهل الأديان على شدة اختلافها ونهاية تنافيها يعظمون إبراهيم عليه الصلاة والسلام ويتشرفون بالانتساب إليه إما في النسب وإما في الدين والشريعة حتى إن عبدة الأوثان كانوا معظمين لإبراهيم عليه السلام، وقال الله تعالى في كتابه: * (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) * (النحل: 123) وقال: * (من يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه) * (البقرة: 130) وقال في آخر سورة الحج: * (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل) * (الحج: 78) وجميع أمة محمد عليه الصلاة والسلام يقولون في آخر الصلاة وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
المسألة الثالثة: القائلون بأن الإمام لا يصير إماما إلا بالنص تمسكوا بهذه الآية فقالوا: إنه تعالى بين أنه إنما صار إماما بسبب التنصيص على إمامته ونظيره قوله تعالى: * (إني جاعل في الأرض خليفة) * (البقرة: 30) فبين أنه لا يحصل له منصب الخلافة بالتنصيص عليه وهذا ضعيف لأنا بينا أن المراد بالإمامة ههنا النبوة، ثم إن سلمنا أن المراد منها مطلق الإمامة لكن الآية تدل على أن النص طريق الإمامة وذلك لا نزاع فيه، إنما النزاع في أنه هل تثبت الإمامة بغير النص، وليس في هذه الآية تعرض لهذه المسألة لا بالنفي ولا بالإثبات.
المسألة الرابعة: قوله: * (إني جاعلك للناس إماما) * يدل على أنه عليه السلام كان معصوما عن جميع الذنوب لأن الإمام هو الذي يؤتم به ويقتدى، فلو صدرت المعصية منه لوجب علينا الاقتداء به في ذلك، فيلزم أن يجب علينا فعل المعصية وذلك محال لأن كونه معصية عبارة عن كونه ممنوعا من فعله وكونه واجبا عبارة عن كونه ممنوعا من تركه والجميع محال.
أما قوله: * (من ذريتي) * ففيه مسائل:
المسألة الأولى: الذرية: الأولاد وأولاد الأولاد للرجل وهو من ذرأ الله الخلق وتركوا همزها للخفة كما تركوا في البرية وفيه وجه آخر وهو أن تكون منسوبة إلى الذر.
المسألة الثانية: قوله؛ * (ومن ذريتي) * عطف على الكاف كأنه قال: وجاعل بعض ذريتي كما يقال لك: سأكرمك، فتقول: وزيدا.
المسألة الثالثة: قال بعضهم: إنه تعالى أعلمه أن في ذريته أنبياء فأراد أن يعلم هل يكون ذلك في كلهم أو في بعضهم وهل يصلح جميعهم لهذا الأمر؟ فأعلمه الله تعالى أن فيهم ظالما لا يصلح لذلك وقال آخرون: إنه عليه السلام ذكر ذلك على سبيل الاستعلام ولما لم يعلم على وجه المسألة، فأجابه الله تعالى صريحا بأن النبوة لا تنال الظالمين منهم، فإن قيل: هل كان إبراهيم عليه السلام مأذونا في قوله: * (ومن ذريتي) * أو لم يكن مأذونا فيه؟ فإن أذن الله تعالى في هذا الدعاء فلم رد