قوله تعالى * (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين) * اعلم أن القفال رحمه الله قال: هذا متعلق بقوله: * (واستعينوا بالصبر والصلاة) * (البقرة: 45) أي استعينوا بالصبر والصلاة فإنا نبلوكم بالخوف وبكذا وفيه مسائل:
المسألة الأولى: فإن قيل إنه تعالى قال: * (واشكروا لي ولا تكفرون) * (البقرة: 152) والشكر يوجب المزيد على ما قال: * (لئن شكرتم لأزيدنكم) * فكيف أردفه بقوله: * (ولنبلونكم بشيء من الخوف) *. والجواب من وجهين: الأول: أنه تعالى أخبر أن إكمال الشرائع إتمام النعمة، فكان ذلك موجبا للشكر، ثم أخبر أن القيام بتلك الشرائع لا يمكن إلا بتحمل المحن، فلا جرم أمر فيها بالصبر. الثاني: أنه تعالى أنعم أولا فأمر بالشكر، ثم ابتلى وأمر بالصبر، لينال الرجل درجة الشاكرين والصابرين معا، فيكمل إيمانه على ما قال عليه الصلاة والسلام: " الإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر ".
المسألة الثانية؛ روي عن عطاء والربيع بن أنس أن المراد بهذه المخاطبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة.
المسألة الثالثة: أما أن الإبتلاء كيف يصح على الله تبارك وتعالى فقد تقدم في تفسير قوله تعالى: * (وإذا ابتلى إبراهيم ربه) * (البقرة: 124) وأما الحكمة في تقديم تعريف هذا الإبتلاء ففيها وجوه. أحدها: ليوطنوا أنفسهم على الصبر عليها إذا وردت، فيكون ذلك أبعد لهم عن الجزع، وأسهل عليهم بعد الورود. وثانيها: أنهم إذا علموا أنه ستصل إليهم تلك المحن، اشتد خوفهم، فيصير ذلك الخوف تعجيلا للابتلاء، فيستحقون به مزيد الثواب. وثالثها: أن الكفار إذا شاهدوا محمدا وأصحابه مقيمين على دينهم مستقرين عليه مع ما كانوا عليه من نهاية الضر والمحنة والجوع، يعلمون أن القوم إنما اختاروا هذا الدين لقطعهم بصحته، فيدعوهم ذلك إلى مزيد التأمل في دلائله، ومن المعلوم الظاهر أن التبع إذا عرفوا أن المتبوع في أعظم المحن بسبب المذهب الذي ينصره، ثم رأوه مع ذلك مصرا على ذلك المذهب كان ذلك أدعى لهم إلى اتباعه مما إذا رأوه مرفه الحال لا كلفة